محمد الرياني
كلُّ بناتِ الحيِّ نفرنَ منه ؛ لأنه ضخمُ الجسم، لا يتذكر أنه كان مهووسًا بالأكل، شرهًا في التهامه، الدكانُ الوحيدُ في بلدتهم يبيعُ التمرَ والحلوى التي تُصنع محليًّا ومع هذا لا يحبُّ الحلوى ، تقدمُ له أمُّه بقايا الخبز الأحمر البائت من ليلِ أمس، تضعه على الجمرِ لتتجددَ نكهته، وتضيف له قليلًا من السُّكرِ على القهوةِ وتنصحه بعدم شربِ رواسبها حتى لا تنحبس مثانته.
كبر على هذه الحال، لاحظَ في الملعبِ أنه بطيء الحركة، الفريقان المتنافسان في الألعاب يأنفان من اختياره خوفًا من الهزيمةِ لأنه سهل الإمساك به، ازداد وزنُه مع نموِّ طوله، الصغارُ في الحيِّ يهربون منه ويتمتمون بعباراتِ الاستفزازِ ولا يسلمون من أذى لسانه عندما يكون في قمةِ غضبه منهم ، أقرانه تزوجوا قبله وخطفوا الحسناواتِ وأشباههن ، لم يجد قبولًا لأنه لا يمتلك جسدًا معتدلًا وقوامًا تعشقه النساء.
عرضوا عليه في النهايةِ فتاةً تزنُ وزنَ ذراعه ، ضحكَ منهم ، قال لهم أين سأضعُ هذه المسكينة؟ الشحمُ الذي يغطي كافةَ جسدي سيُهلك عظامَ هذه الهزيلة، فوجئ بأنها توافقُ على الارتباطِ به ، أقاموا لهما عرسًا حضره كلُّ الحِسان والشباب، غَطوا على جسدها الصغير بملابسَ مترادفة حتى تظهر بمظهر لائق .
بدتْ في غايةِ الجمال، لم يظهر أمام النساءِ في موكبِ الفرح حتى لا يتعرض للسخرية والضحك منهن ، انتهتْ ليلةُ العرس، مضتْ أيامُ زواجهما بسلام، ازداد وزنُها وتضاءل حجمُه ، قال لها يومًا كأنكِ أحضرتِ معك بلسمًا فريدًا، أصبحتُ رشيقًا جميلًا، وأصبحتِ فاتنةَ الحي ، همس في أذنها بعد ليلةٍ سعيدة : ما رأيكِ أن نقيمَ احتفالًا جديدًا، خافت عليه وعلى نفسها.
شعرتْ بألمِ المخاض، ولدتْ طفلًا صغيرًا جمعَ صفتيهما ، قالت له : إذا كبر لا تُعوِّده على بقايا القهوة والسكر والخبز الفاتر، هزأ بها، سألها هل لديكِ بقايا قهوة؟ سأُطعمه من الآن، لاتنسيْ أن تحضري ملعقةً من السكر معك، ابتسمتْ له وفعلت ، أطلقَ الصغيرُ ابتسامةً قبلَ موعدها، نظرا في وجهه ولايزال يبتسم ، سألها عن سرِّ. بسمةِ الصغير، هل تظنين أنه استوعبَ حديثنا؟ جلستْ وأجلستْه إلى جوارها، نظر كلُّ واحدٍ إلى الآخر، قالت له : دعنا الآنَ نحتفل!!