الكاتب / د . محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني
الحب هو من أسمى المشاعر الإنسانية التي تعبر عن الارتباط العميق بين شخصين، قائم على المودة، الاحترام، والتفاهم.
هو العلاقة التي تخلق توازنًا بين طرفين، يجمع بينهما الاحترام المتبادل والرغبة في البناء والتعاون. ولكن الحب، مهما كان نقياً، يمكن أن يتحول إلى أداة قهر إذا فقد هذا التوازن الأساسي.
في بعض العلاقات، يحاول أحد الأطراف فرض سيطرته أو نفوذه على الآخر، مما يؤدي إلى اختلال واضح يؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقة، بل قد يؤدي إلى تدميرها تمامًا. هذه المقالة تسلط الضوء على نظريتي الشخصية التي اسميتها ( السيد و العبد ) ( master and slave) و كيفية تحول الحب إلى وسيلة للسيطرة والنفوذ، وتأثير ذلك على الطرفين، وكيفية تجنب الوقوع في هذا الفخ.
الحب والحقوق المتساوية
من الطبيعي أن ينشأ الحب الحقيقي بين طرفين متساويين، ليس من حيث القوة أو السلطة، بل من حيث الحقوق والواجبات. كل طرف في العلاقة يجب أن يشعر بأن له حقوقًا متساوية مع شريكه، حيث يتم احترام رأيه ومشاعره، ويُعطى الفرصة للتعبير عن احتياجاته و احتجاجاته و غضبه. هذه المساواة هي ما يعزز الشعور بالأمان والراحة داخل العلاقة.
على سبيل المثال، إذا كان أحد الشريكين يرى أنه من حقه عدم الرد على رسائل أو مكالمات الطرف الآخر بسبب انشغاله، فمن الطبيعي أن يكون للطرف الآخر نفس الحق إذا ما واجه ظرفًا مشابهًا بينما فعليا يعتبر الطرف المتسلط ان عدم رد الطرف الاخر على اتصالاته او رسائله جريمة كبرى و اهانة له و قلة احترام من الطرف الاخر. و هذا يمثل اختلالا في هذا التوازن يعكس خللاً عميقاً في العلاقة ويؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية.
عندما يبدأ أحد الأطراف في منح نفسه حقوقًا لا يمنحها للطرف الآخر، فإنه يخلق حالة من عدم التساوي. في البداية، قد يبدو هذا الأمر صغيرًا أو غير مؤثر، لكن تأثيره يتفاقم مع مرور الوقت. فالطرف المتضرر يشعر تدريجيًا بالظلم، ومع تكرار هذه المواقف، يبدأ الحب بالتحول إلى شعور بالقهر والاستياء.
السيطرة وقمع الحب
الحب، كعلاقة بين شخصين، يحتاج إلى بيئة من الحرية والثقة المتبادلة. عندما يبدأ أحد الأطراف في فرض إرادته أو السيطرة على الآخر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تتغير طبيعة العلاقة. التصرفات البسيطة، مثل اتخاذ القرارات دون استشارة الطرف الآخر، أو تجاهل رغباته واحتياجاته، هي علامات مبكرة على بداية هيمنة طرف على الآخر.
مثال على ذلك هو عندما يقوم أحد الشريكين باتخاذ قرارات هامة دون إشراك الطرف الآخر. قد يكون هذا القرار متعلقًا بالحياة اليومية، أو الظروف المعيشية، أو حتى بالأنشطة الاعتيادية للاسرة. في البداية، قد يتغاضى الطرف الآخر عن ذلك بسبب الحب أو الرغبة في عدم تعكير جو التفاهم، لكن مع مرور الوقت يشعر الطرف المتضرر بأنه فقد السيطرة على حياته داخل العلاقة.
الحب يتطلب التوازن، وأي محاولة لفرض السيطرة أو التحكم في الطرف الآخر تؤدي إلى قمع المشاعر الطبيعية التي تربط بين الشريكين.
السيطرة، مهما بدت غير مقصودة أو بسيطة، تقتل المشاعر الحقيقية وتجعل العلاقة غير قابلة للنمو. فالمسيطر قد يرى في أفعاله محاولة لتقوية العلاقة، لكن الحقيقة هي أنه يعزز من حالة التباعد والانفصال العاطفي.
العلاقة بين السيد والعبد: التحول إلى القهر
عندما يستمر أحد الطرفين في فرض سيطرته على العلاقة، يبدأ الوضع بالتحول إلى ما يشبه علاقة “السيد والعبد”. الطرف المسيطر يصبح “السيد” الذي يتحكم في كافة القرارات والأمور المتعلقة بالحياة المشتركة، بينما الطرف الآخر يتحول إلى “عبد” لا صوت له. هذا التحول و لا رأي، رغم أنه قد لا يكون واضحًا في البداية، يتفاقم بمرور الوقت ويؤدي إلى شعور عميق بالظلم والقهر لدى الطرف المتضرر.
على سبيل المثال، إذا اعتبر أحد الشريكين أنه من الطبيعي أن يتمتع بحرية الخروج والقيام بأنشطة شخصية دون استشارة الطرف الآخر لأنه لا يرى أهمية لأنشطة الآخر أو رغباته في الخروج سويا أو التزاماته، بينما يتوقع من الشريك الآخر أن يكون أكثر التزامًا وطلب الإذن، فإن هذا يؤدي إلى شعور بالعجز لدى الشريك المتضرر. في هذه الحالة، تتحول العلاقة من علاقة حب ومشاركة إلى علاقة تحكم وسيطرة.
عندما يتحول الحب إلى علاقة قهر، تبدأ مشاعر الطرف المتضرر في التحول من الحب والاحترام إلى مشاعر سلبية مثل الغضب والاحتقار. في النهاية، يتحول القهر إلى عائق رئيسي أمام استمرارية العلاقة، حيث لا يمكن للطرف المقهور أن يستمر في حب من يقهره أو يتحكم فيه.
الأمثلة الواقعية: كيف تؤدي السيطرة إلى تدمير العلاقة؟
الحياة اليومية تقدم لنا العديد من الأمثلة الواقعية على كيفية تحول العلاقات من حب إلى سيطرة، وكيف يمكن أن تؤدي هذه السيطرة إلى تدمير العلاقة.
على سبيل المثال، تخيل علاقة بين زوج وزوجة حيث يقوم الزوج باتخاذ جميع القرارات دون إشراك الزوجة. قد يشعر الزوج بأنه يقوم بدوره كرب للأسرة، ولكن الزوجة قد تشعر بأنها مهمشة وغير قادرة على المشاركة في حياة الأسرة بشكل فعال. هذه الديناميكية يمكن أن تؤدي إلى تراكم مشاعر الاستياء لدى الزوجة، مما يهدد بانهيار العلاقة.
في مثال آخر، إذا كانت الزوجة تتوقع من الزوج أن يبادر بالاعتذار عن أي خطأ يحدث بينهما، بينما ترفض هي تحمل المسؤولية أو الاعتذار عن أخطائها، فإن هذا يعكس نوعًا من السيطرة غير المتكافئة. هذا السلوك قد يبدو بسيطًا، لكنه يحمل في طياته مفهوم السيطرة والتحكم في العلاقة.
كيف نحافظ على التوازن في العلاقة؟
الحفاظ على التوازن في العلاقة يتطلب جهدًا مستمرًا من كلا الطرفين. يجب أن يكون هناك احترام متبادل للحقوق والواجبات، ويجب أن يشعر كل طرف بأن له دورًا مساوياً في العلاقة. هذا التوازن لا يأتي بشكل تلقائي، بل يحتاج إلى حوار مفتوح وصريح بين الشريكين.
أحد أهم المفاتيح للحفاظ على هذا التوازن هو التواصل الجيد. يجب على كل طرف أن يكون قادرًا على التعبير عن مشاعره واحتياجاته دون خوف من الحكم أو الانتقاد. يجب أن يكون هناك مساحة للحوار حول التوقعات، وأن يتم احترام حقوق الطرف الآخر في التعبير عن رأيه.
الحوار المستمر حول الحقوق المتبادلة والمشاركة في اتخاذ القرارات يعزز الشعور بالمساواة في العلاقة. أيضًا، يجب أن يكون هناك استعداد من كل طرف لتقديم التنازلات إذا لزم الأمر، من أجل الحفاظ على توازن العلاقة.
الخاتمة
الحب هو أسمى العلاقات الإنسانية، لكنه لا يمكن أن ينمو ويزدهر إلا في بيئة من التفاهم والمساواة. عندما يتحول الحب إلى علاقة سيطرة، كعلاقة السيد بالعبد فانه يبدأ في التدهور تدريجيًا حتى يتلاشى. العلاقات الصحية تعتمد على الاحترام المتبادل، والتوازن بين الحقوق والواجبات و التفاهم و التسامح.
إذا كانت العلاقة قائمة على السيطرة أو القهر، فإن الحب الحقيقي يفقد معناه ويتحول إلى شعور بالظلم والاستياء.
في النهاية، الحب ليس ساحة للمعارك أو مكانًا لفرض النفوذ، بل هو شراكة تقوم على التفاهم والمساواة، حيث يشعر كل طرف بأنه مقدّر ومحترم.
على كل شريك أن يسعى للحفاظ على هذا التوازن، ليس فقط من أجل العلاقة، بل من أجل نمو الحب واستمراريته. الحب المبني على المساواة هو الذي يدوم، بينما الحب الذي يشوبه القهر والسيطرة لا يمكن أن يستمر طويلاً.