مقالات وشعر

الصمت الجارح

بقلم/ معلا السلمي

الصمت قد يكون أبلغ من الكلام في أحيان كثيرة، فهو يحمل معاني ومشاعر لا تستطيع الكلمات التعبير عنها. ولكن حين يتحول الصمت إلى جدار يفصل بين الأشخاص، يصبح جارحًا وقاسيًا، كأنه صوت غائب يصرخ في الأعماق دون أن يُسمَع. الصمت الجارح ليس مجرد غياب الكلام، بل هو حضور مشحون بمشاعر الألم، والخوف، والخذلان.

قد يكون الصمت الجارح ناتجًا عن عجز عن التعبير، أو رغبة في تجنب المواجهة، أو حتى وسيلة لمعاقبة الطرف الآخر. في العلاقات الإنسانية، يشبه الصمت الجارح سيفًا ذا حدين: فهو قد يكون محاولة لتهدئة الأمور أو وسيلة تزيد من الفجوة بين القلوب. الكلمات قد تؤلم، ولكن الصمت يحمل في طياته احتمالات مفتوحة، وكل احتمال يحمل عبئه الخاص من الألم.

الصمت الجارح يمكن أن يكون أقسى أشكال الرفض أو الإهمال. حين يسود الصمت في وقت يحتاج فيه الطرف الآخر إلى كلمة طمأنينة، يتحول إلى جرح عميق. وعندما يكون الرد صمتًا على تساؤلات أو استفسارات أو حتى اعتذارات، فإن هذا الصمت يصبح رسالة غير مرئية لكنها واضحة تمامًا: “أنا لا أريد أن أشاركك عالمي.”

من جهة أخرى، يمكن أن يكون الصمت الجارح صرخة غير مسموعة من شخص يعاني في داخله. ربما يعبر عن خوف من قول الحقيقة، أو شعور بالضعف أمام الموقف. في مثل هذه الحالات، يصبح الصمت لغة مليئة بالرسائل غير المعلنة التي تحتاج إلى تفسير دقيق.
كسر الصمت الجارح يتطلب شجاعة وقدرة على مواجهة المشاعر والمواقف. الكلمة البسيطة قد تكون مفتاحًا لإزالة هذا الجدار الذي يعيق التواصل. في كثير من الأحيان، يحتاج الصمت إلى احتواء، إلى حوار، وإلى لمسة تفهم، تجعل من الجرح بداية للشفاء بدلاً من أن يكون ذكرى أليمة تلازم الأرواح.

الصمت الجارح درس في العلاقات الإنسانية، يعلّمنا أن الكلمة قد تكون شفاء، وأن غيابها قد يكون جرحًا. وفي كلتا الحالتين، نحن من نختار كيفية استخدام هذه القوة، سواء بالصمت أو بالكلام.

 

شعبان توكل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى