الكاتب / د . محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني
كل إنسان في الحياة يدخل في شراكات وعلاقات مختلفة، سواء كانت هذه العلاقة مع شريك الحياة، أو حتى مع الأصدقاء.
هذه العلاقات تشكل جزءاً جوهرياً من التجربة الإنسانية، ومع ذلك، ليست كل هذه العلاقات خالية من الصعوبات. فعندما نقترب من شخص آخر ونتعايش معه بشكل يومي، تبدأ بعض التحديات في الظهور، أحدها هو التصادم الذي ينتج عن اختلاف الشخصيات والظروف.
اختلاف الشخصيات وتأثيره على العلاقات
من المعروف أن شخصيات البشر تختلف اختلافاً جذرياً. ففي حين أن بعض الأشخاص قد يكونون متوافقين في طبيعتهم الشخصية وسلوكهم الى حد ما، إلا أن آخرين قد يجدون صعوبة في التعامل مع بعضهم البعض.
هذه الاختلافات غالباً ما تكون نتاجاً لتأثيرات متعددة، منها البيئة التي نشأ فيها الشخص، المعتقدات و المبادئ، تجاربه السابقة، وطريقة استجابته للتحديات والضغوط.
وفقاً لعالم النفس *جون غراي* في كتابه الشهير “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة”، فالرجال والنساء ينتمون إلى “عوالم مختلفة” في طريقة تفكيرهم واستجابتهم للمواقف. وهذه الاختلافات قد تكون سبباً رئيسياً في حدوث التصادم. ومع ذلك، هذا لا يعني أن التصادم أمر سيء بحد ذاته، بل هو في بعض الاحيان جزأ طبيعيا من أي علاقة.
التصادم كعملية طبيعية
تماماً مثل الكرات العائمة في الماء التي تصطدم وتبتعد نتيجة لذلك التصادم، يحدث شيء مشابه في العلاقات الإنسانية. عندما تتصادم الشخصيات أو تنشأ خلافات حول موضوع معين، قد يؤدي ذلك إلى التباعد. وهذا التباعد يمكن أن يكون مؤقتاً أو دائماً، اعتماداً على طريقة تعامل الطرفين مع التصادم.
علم النفس يوضح أن كل تصادم يعبر عن وجود عدم توافق في نقطة معينة بين الشريكين، ولكن هذا التصادم قد يحمل في طياته فرصة للتطور. فالتصادمات قد تدفع الشريكين لفهم أعمق لاحتياجات بعضهما البعض، بشرط أن يتم التعامل معها بحكمة ومرونة.
التباعد: نتيجة حتمية للتصادم؟
عندما تتكرر التصادمات دون ح، يحدث ما يمكن أن نسميه “التباعد العاطفي”. يبدأ أحد الطرفين أو كلاهما في الانسحاب العاطفي بسبب الشعور بعدم الأمان أو القلق من حدوث المزيد من الخلافات. هذا التباعد العاطفي يمكن أن يكون خطيراً، لأنه يضعف الروابط بين الشريكين ويجعل التواصل بينهما أكثر صعوبة.
لكن التباعد لا يعني نهاية العلاقة. فقد يكون وسيلة مؤقتة لحماية الذات من المشاعر السلبية، لكنه إذا تم التعامل معه بطريقة صحيحة، يمكن أن يكون فرصة لإعادة التفكير في العلاقة والتواصل بطرق جديدة أكثر فعالية.
التصادم و التباعد و اثره في النفس :
بالرغم من آراء علماء النفس حول الاختلاف و التصادم و التباعد العاطفي الا انه من الأكيد أن كثرة التصادم يسبب في كل مرة خدش صغير في سطح العلاقة مثل الخدوش التي تحدث على سطح الرخام أثناء المشي عليه ، و تكون هذه الخدوش صغيرة بحيث إنها لا ترى و لا تؤثر على لمعان و بريق الرخام الا ان كثرت الخدوش الناتجة عن الاحتكاك قد تسبب مع الوقت ذهاب بريق الرخام كذلك خدوش التصادم الانساني تسبب ذهاب بريق العلاقة و ليس ذلك فحسب، فالعلاقات الإنسانية أشد رقة من الرخام الصلب و بالتالي فإن هذه الخدوش تتحول إلى تشققات و من ثم إلى صدوع لا يمكن إصلاحها.
الحقيقة أن كثرة التصادمات و أن حل الخلاف الذي كان سببا لها تسبب ضررا لا يمكن ازالته من سطح لوح الحياة ولا من داخل اعماق النفس البشرية و قد يؤدي ذلك إلى تحطم العلاقة و الرابط مع الوقت
فالشتققات و الشروخ في العلاقة تبقى حتى بعد انتهاء الخلاف و عودة الامور إلى طبيعتها و اذا ازداد تكرارها و استمر فإنها لا بد أن تتسبب في تحطيم العلاقة بين الطرفين و دمار سبل الاصلاح و التصالح.
كيفية التعامل مع التصادم والتباعد
التصادم في العلاقات أمر لا مفر منه، لكن المهم هو كيفية التعامل معه.
يمكن اتباع بعض النصائح لتجنب تحول التصادم إلى تباعد دائم:
اولها هو تجنب التصدم من الأساس قدر الإمكان
التواصل الفعّال: يجب أن يتمتع الشريكان بالقدرة على التعبير عن مشاعرهم ومشاكلهم دون خوف من الانتقاد أو الحكم.
الاستماع بتعاطف: فهم وجهة نظر الشريك والاستماع إليه دون مقاطعة أو تحيز يمكن أن يساعد في حل العديد من المشاكل.
المرونة: العلاقات تحتاج إلى التكيف مع الظروف المتغيرة، سواء كانت الظروف مادية أو نفسية.
حلول وسط: إيجاد حلول وسط تلبي احتياجات الطرفين يعزز من تماسك العلاقة ويقلل من حدوث التصادمات.
الخاتمة
التصادم والنفور في العلاقات الإنسانية هما جزء طبيعي من الحياة، لكن من الضروري أن نتعامل معهما بوعي وحكمة. عندما نفهم أن التصادم ليس نهاية العلاقة بل فرصة للتعلم والنمو، يصبح التباعد مجرد مرحلة مؤقتة يمكن تجاوزها في بعض الحالات.
كما يجب ان نعرف ان تكرار التصادم يسبب ضررا لا يمكن اصلاحه في العلاقات الانسانية و ان حلت اسبابه .
كما يجب من الطرفين العمل لتجنب التصادم و ايجاد طريقة للتنازل و التفاهم و الحوار ، لان كل علاقة تتطلب جهداً مشتركاً للحفاظ على التوازن وتحقيق السعادة المشتركة.