
رحمه الشهري -تبوك
يصمت البحر كحكيمٍ يخبئ بين أعماقه آلاف الأسرار، لكن أمواجه لا تطيق الكتمان، فتعلو وتضرب الشطآن كأنها تهمس بالوجع، أو تحتج على صمتٍ طال أمده. هناك، على حافته، نقف نحن نستمع لصراخه الصامت، نقرأ ذواتنا في كل موجة راحلة، ونفهم أن أحيانًا، ما لا يُقال أبلغ مما يُقال.
كل موجة ترتطم بالصخر، تشبه ذكرى قديمة عادت دون استئذان. وكل ارتداد للماء، يشبه رحيلًا لم نُحسن توديعه. البحر لا يبوح، لكنه يُعلّمنا البوح، يُعلّمنا كيف نحزن بكبرياء، وكيف نحب دون أن نغرق.
في صمته ملاذ، وفي صخبه مرآة، وبين المدّ والجزر تتقلّب قلوبنا. نأتيه مثقلين، فنُلقي فيه ما لا يليق بنا حمله، ونعود أخفّ… لا لأن البحر محا أحزاننا، بل لأنه همس لنا بأننا لسنا وحدنا، فهو أشبه بنا …يبكي أحيانًا بصمت.
وهكذا نمضي… نعود من البحر وفي أرواحنا شيء منه، شيء لا يُكتب ولا يُقال، لكنه يُشعر. نغادر الشاطئ وفي أعيننا لمعة ملوّنة بالزُرقة، وفي صدورنا صمت يشبه صمته، وارتجاج خفيّ يشبه صرخات أمواجه.
لعلنا، مثل البحر، لا نحتاج دائمًا إلى أن نتكلم. يكفينا أن نوجد… أن نهدأ حينًا ونثور حينًا آخر، أن نكون مرآة للغيم حينًا، وصدى للعاصفة حينًا آخر.
حين يصمت البحر، تصرخ أمواجه… وحين نصمت نحن، تتكلم أرواحنا