محليات

دبلوماسية الدفاع تعيد صياغة المشهد الإقليمي: زيارة تاريخية لوزير الدفاع السعودي إلى طهران

بقلم: د. محمد الحلفي

في خطوة دبلوماسية لافتة تعكس تحولًا نوعيًا في السياسة الإقليمية، وصل وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، اليوم الخميس 17 أبريل، إلى العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية تهدف إلى بحث العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.

تأتي هذه الزيارة في سياق مسار تصالحي تشهده العلاقات السعودية – الإيرانية، بعد سنوات من التوتر والقطيعة الدبلوماسية التي بدأت منذ عام 2016. وقد مثّلت الأشهر الماضية مرحلة إعادة ترميم للثقة بين الجانبين، عبر فتح السفارات وتبادل الزيارات رفيعة المستوى، شملت وزيري الخارجية والدفاع، في مؤشر واضح على تهيئة الأرضية لمرحلة جديدة من التفاهمات.

وتُعد زيارة الأمير خالد بن سلمان أول زيارة لوزير دفاع سعودي إلى إيران منذ استئناف العلاقات، ما يمنحها بُعدًا استثنائيًا من حيث التوقيت والدلالة، خصوصًا أنها تأتي على أعتاب محادثات مرتقبة بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يعكس حرص الرياض على أن تكون لاعبًا مؤثرًا في صياغة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة.

من المنتظر أن تشمل اللقاءات التي سيُجريها وزير الدفاع السعودي في طهران ملفات التعاون الأمني والعسكري، في إطار ما يمكن وصفه بـ”الدبلوماسية الدفاعية”، وهي دبلوماسية تُعنى بتقريب وجهات النظر بين الخصوم من بوابة المصالح الأمنية المشتركة. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الأمير خالد سبق أن أجرى اتصالات مع رئيس هيئة الأركان الإيرانية، محمد باقري، في إطار تمهيد الأرضية لهذا اللقاء.

هذا المسار من التقارب يعكس إدراكًا متبادلاً بين الرياض وطهران لأهمية التنسيق في مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة، وفي مقدمتها النزاعات المسلحة، وتنامي خطر الإرهاب، وتهديدات أمن الملاحة البحرية، لاسيما في الخليج العربي والبحر الأحمر.

وعلى صعيد الأزمات الإقليمية، يُتوقع أن يكون للانفتاح السعودي – الإيراني انعكاسات ملموسة على الملفات المعقدة، خصوصًا في اليمن، حيث تقود السعودية تحالف دعم الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران. وإذا ما تُرجم هذا التقارب إلى خطوات عملية، فقد يشكل مدخلًا لإنهاء الحرب الممتدة منذ سنوات، وفتح الباب أمام تسوية شاملة. كما يُحتمل أن يُسهم في خفض منسوب التوتر في الساحات الإقليمية الأخرى مثل العراق وسوريا ولبنان، حيث يتقاطع النفوذ السعودي والإيراني بشكل مباشر.

على الجانب الاستراتيجي، تُتيح هذه الزيارة للرياض تعزيز موقعها في المشهدَين الإقليمي والدولي، خصوصًا في ظل المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى. ومن خلال هذا الحضور المباشر، قد تسعى المملكة إلى حماية مصالحها الأمنية وتفادي سيناريوهات اتفاقات لا تراعي هواجس دول الخليج من طموحات إيران النووية.

تُدرك المملكة العربية السعودية أن استقرار الإقليم لا يمكن تحقيقه من دون حوار صادق وتفاهمات قائمة على المصالح المتبادلة، لكنها في الوقت ذاته تُحسن قراءة الواقع السياسي، وتعي أن بناء علاقات مستقرة يتطلب شريكًا يتحلى بالمسؤولية والواقعية السياسية. وفي هذا السياق، تبقى الرياض منفتحة على أي مسار يخدم أمن المنطقة ورفاه شعوبها، شريطة أن يكون قائمًا على مبدأ التكافؤ في الالتزامات والاحترام المتبادل.

وعليه، فإن زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لنوايا طهران المستقبلية. فإما أن تكون هذه الزيارة بوابة لانفراج سياسي يعيد رسم توازنات المنطقة على أسس سليمة، وإما أن تبقى فرصة ضائعة في سجل العلاقات المتذبذبة، تحكمها المصالح المؤقتة وغياب الثقة. وفي كلتا الحالتين، تبقى المملكة مستعدة للتعامل مع كافة السيناريوهات بما يحفظ أمنها الوطني ويصون مصالحها الاستراتيجية، دون أن تُفرّط في مبادئها أو تتردد في حماية استقرارها وسيادتها.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى