مقالات وشعر

دعنا نختلف.. ويبقى الود

المدينة المنورة / أميرة المغامسي .

(اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ) مصطلح اعتيادي نتداوله يعني بكل حب نتقبل الرأي دون إساءات أو مساس للطرف الآخر ، إلا أنّ واقع الأمر عند الاختلاف الكثير يرى حقه في الانتقاد ، فرأيه الصواب ولا رأي لغيره ، ناهيك عن عبارات السباب والشتام دون أدنى احتمالية لمراجعة الرأي أو حتى التماس الأعذار، فتقع الشحناء ويقع التهاجر.
يبدو الأمر جليّا واضحًا على منصات التواصل الاجتماعي ، تعجُّ بالفضائح ، ويُكشف عن المستور، يتسع الخلاف فتصفى الحسابات ، ويتطور الأمر لزوايا لم تخطر على بال ، قد تنتهي بين أروقة المحاكم .
العجيب أن تُنقل الخلافات من منزل الزوجية ، لتشغل الرأي العام و الترند ثم تهدأ بعد أن قلّ الأدب ، وانعدمت الأخلاق ، وضاعت المروءات .
الاختلاف من طبائع البشر ، وهو أمر جيد للنفس البشرية ، نختلف ويبقى الود ومع كل خلاف تستنير البصيرة ، وتكن أكثر وعيًا ودراية ونضجًا وتقبلًا للآخرين ، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ، لكن عندما يٌختلف ويتخطى الأمر من اختلاف الفكر ، والرؤى النافع إلى الجدال ومقاتلة الخصم ، فهنا تحول الأمر إلى فجور وسوء أدب ومن فجر في خصامه ففيه خصلة من نفاق ولينتبه حتى يدعها.

ففي رواية البخاري ……أربع من كنّا فيه كان منافقا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، من بينها ” إذا خاصم فجر” . التراشق والدخول في النوايا والنقاشات الغير هادفة وتحليل الأحداث حسب الأهواء الشخصية دليل النقص لا القوة ، والشجاعة والنضج في الابتعاد عن معمعة الجدال وإن خسر ، حبيبنا المصطفى يقول :أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ” وفي محكم التنزيل “والذين هم عن اللغو معرضين” .

في منصات التواصل النقاش مفتوح للجميع باختلاف الأعمار والعقول ، كل يدلو بدلوه فيتصعد الأمر إلى ( شخصنة النقاش ) ليبدأ التجريح والشماتة إلى الخوض في الأعراض وأكثر بكثير.
أما ما كان بين الأزواج غالبا من المشاهير وتفاهاتهم عبر المنصات فهو مؤدٍ خطير للتهاون فيما جعله الله من أوثق العلاقات البشرية ، التي تبنى على الخصوصية والسرية التامة. قاعدتها” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” وإن تفارقا تبقى مواقف الفضل والوفاء “ولا تنسوا الفضل بينكم ” عرضها على الملأ يصعّب عودتها تشعر أنك بساحة لنشر الغسيل ،تهم ، افتراءات وتشويه سمعة ، فضائح كلٌ يتشفى من الآخر، يُفقد الحياء والأدب ، المعيب أن البايو يحمل عبارة ( صانع محتوى )؟!! وإن لم تستحِ فاصنع ما تشاء .
على منصات التواصل توثّق من الحقائق وإياك وإقحام نفسك بين الخصوم ، وعندما تكون وجهات النظر أو الردود
تحوي الاستفزاز والعداء فلا تحملها محمل الجد وتفنن بالتجاهل ، أما إن تزمجر خصمك فانسحب فما الانسحاب إلا وعي وإدراك ، وفي كل خلاف ضع للعفو موضعا ، وهذا ما نفتقر له اليوم أن نترك مساحة للصفح الذي أدب الله به نبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه عندما تلقى من قومه صنوف الأذى والعذاب ليقابلهم بالصفح الجميل ” فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ”
وعندما قيل لأبي سفيان ما بلغ منك من الشرف؟ قال ما خاصمت رجلًا إلا جعلت للصلح موضعًا .

شعبان توكل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى