
تأليف / السيد هاشم بن علي الكاف
كانت تجلس على أريكة بالية ترتدي معطفها الأبيض الأنيق ، تراقب زخات المطر المتساقطة على زجاج شباكها ، تتأمل سريان قطرة الماء على طول زجاج النافذة القطرة تلو القطرة ، وتتلمس الزجاج بأطراف أصابعها ، وتتمتم حنينا لماضيها الأليم والجميل.
حالها الآن ليس كسابق عهدها، لم تعد تلك الطفلة المدللة بل أصبح ذاك الدلال من الماضي الجميل ، لم تعد بالأمورة علياء بل أصبحت الجدة علياء والتي أخذت من مجلسها ذاك على تلك الأريكة محطة لانطلاق حدوتنا هذه.
علياء قضت طفولتها وشبابها مدللة تلبّى لها طلباتها وتتحقق أمنياتها وكانت ابتساماتها تصول وتجول بين أركان المكان فمضى الزمان وذهب الخلان وتهدمت الأركان فكان ياما كان.
تفقد الاب أبنائه في ليلة من ليالي الشتاء وتحت جنح الظلام فلم يجد ابنته في سريرها ، فذهب وأحضر إنارة ليجد أن ابنته الصغيرة ذات السنتين ليست في سريرها نائمة فتفقد الدار وانجلى الليل وحل النهار فتتبع الآثار فما وجد لها أثار فتحسس الأخبار من الأخيار فقيل ما قيل وكثر الكلام والأب على وجهه قد هام وانقضى العام تلو العام فلا أثر لها ولا أخبار.
ليلة فقْد تلك الفتاة كانت ليلة باردة ممطرة وكان أبو أحمد يتفقد خارج داره من أثر المطر فإذا بصوت بكاءٍ خافت قد أعياه البرد و رقرقته الدموع فراح يبحث عن هذا الصوت فإذا بتلك البنت ملقية على بطنها مبللة ترتعش بردا مزرقة شفتيها باردة الأطراف حملها وضمها إلى صدره لتدفئتها وذهب بها مسرعا إلى داخل الدار لإسعافها وإنقاذها من خطر حالتها.
فصار أبو محمد متعجبا يتساءل كيف وصلت هذه الطفلة الى جوار داره رغم أن بيته وحيدا في مزرعة كبيرة يبعد عن أقرب قرية ثلاث ساعات سيرا على الأقدام ، وساعة ونصف بالسيارة لوعورة الطرقات وخصوصا وقت موسم الأمطار.
وبعد يومين تحسنت حالة الطفلة و بدأت تستعيد بعض من صحتها ونضارتها.
ذهب ابو أحمد إلى أقرب قرية إليه يسأل عن أهل تلك الطفلة وهل فقد أحد طفلته وأخبر الناس بقصته ولكن لا أحد يعرف أحدا فقد طفلا.
لم يكن أبو الطفلة يسكن في تلك القرية التي يسأل فيها أبو احمد إنما كان يسكن في قرية بعيدة عن تلك القرية ونظرا لتدمير الطرق من جريان السيول الجارفة لم يستطع الأب إلى الذهاب للقرى المجاورة لنقل الخبر أو البحث ، وها قد انقضت ثلاثة أشهر ولم يستطع أبوها الخروج من القرية للبحث عنها.
قرر أبو أحمد أن يحتضن البنت حتى يسأل عنها احد فقرر تسميتها علياء في الوقت الراهن ليمكنه التواصل ومناداتها باسم ما إلى أن ينقضي موسم الامطار. حيث من المقرر لأبو أحمد أن يسافر وعائلته الى الهند للتجارة.
يتبع حلقة 2