
بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
الرحمة ليست كلمة تُقال، بل فعل يُمارس، ونبضٌ يُحْيي في الإنسان إنسانيته. فـ”القلب الرحيم” هو عنوان الأخلاق، ومرآة الإيمان، وجسر التواصل الحقيقي بين البشر. فكم من عقل تاه حين انفصل عن الرحمة، وكم من علم صار عبئًا حين جفَّ من الشعور الإنساني.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحم لا يُرحم”، فهل يطمع أحدٌ برحمة الله تعالى وهو لا يرحم عباده؟
إن أعظم ما في هذا الوجود ليس قوته ولا اتساعه، بل ذاك القلب البشري الذي امتلأ رحمة، وتواضعًا، وميلًا للعطاء. الرحمة لا تحتاج إلى لغة، فهي كالشمس تُنير للكل دون استثناء. وكما قال الله تعالى عن خاتم الأنبياء: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، فإن سيرته صلى الله عليه وسلم كانت تجسيدًا حيًا للرحمة: تُنهي عداوة، وتغرس مودة، وتبني أمة على الإيمان لا الانتقام.
القلوب إذا تآلفت بالرحمة أضاءت، وإذا تباعدت بالقسوة أظلمت. فاليد التي تُعطي من القلب لا تُرد، والنفس الرحيمة لا تحمل حقدًا ولا تعرف طريق الأذى، بل ترى في العفو سموًا، وفي العطاء حياة.
إننا في عالم يحتاج للرحمة أكثر من حاجته إلى التقنية، إلى الأخلاق أكثر من حاجته إلى الإنجاز. فالقوة بلا رحمة تدمير، والرحمة بلا فعل أمنية. حين زار الخليفة عمر بن الخطاب القدس، رسم للإنسانية لوحة خالدة من الرحمة والعدل والاحترام، فبقي في الذاكرة نموذجًا للحاكم الرحيم، الذي يحفظ للآخرين دينهم وكرامتهم.
ومن تأمل نعم الله تعالى عليه، سهل عليه أن يرحم غيره. ومن سقى شجرة الرحمة في قلبه، أظلَّه الله تعالى حين لا ظل إلا ظله.
القلب الرحيم لا يعني الضعف، بل هو قمة القوة الروحية، كما قال الشاعر:
> ولرب نبضة قلب ما تنامُ، تعلو على جبهة الأيامِ.
ختامًا، إننا بحاجة إلى قلوب رحيمة تصنع التغيير، وتعيد للإنسانية وجهها النقي، وتُبقي أبواب السماء مفتوحة بدعوة مخلصة، أو دمعة رحيم، أو يد عطوفة لا تنتظر مقابلاً.