بقلم/بشائر الحمراني
في لحظاتٍ كانت فيها الدنيا تبدو هادئة، كأنها توقفت عن الدوران، شعرتُ بأنني ثابتة في مكاني. كأن السكون قد غلّفني بطبقاته الثقيلة، حتى نسيت نبض الحياة داخلي. لم يكن الصمت نابعًا من الخارج فحسب، بل من داخلي أيضًا، حيث غابت الأصوات التي طالما أثارت فيّ العواصف.
ثم جاء من حرّك السكون، وكأنه نفخ في الرماد الراكد. ليست الرياح التي تدفع الأشياء بعيدًا، بل لمسة خفيفة، كتلك اللحظات التي تشعر فيها بأول قطرات المطر بعد صيف طويل. عاد النبض، وتحركت المشاعر من جديد. لم تكن مجرد حركة، بل كانت ولادة جديدة.
أدركت أن السكون لم يكن راحةً، بل كان سجناً خفيًا، ضجيجه لا يُسمع إلا عندما تتحرر منه. تحركت، ولم أعد أنظر إلى الوراء. من حرّكني لم يكن شخصًا أو حدثًا، بل كان صوتاً في أعماقي، صوتاً ظل خافتاً طويلاً، ثم نهض فجأة، كأنه كان ينتظرني لأستمع إليه.
في تلك اللحظة، فهمت أن الحركة ليست في الأقدام، بل في الروح. أن الصمت الذي يغزو دواخلنا أحياناً ليس نهاية الرحلة، بل بداية لتجديد العهد مع الذات. كنتُ أنا من حرّكت نفسي، من أيقظت ما كنت أظنه قد مات.
مع كل خطوة جديدة، بدأت أتذوق حلاوة الحرية التي لا تأتي إلا من الداخل. أدركت أنني كنت أعيش في ظلالٍ من التوقعات والخوف من الفشل. كنت أقف على حافة الحياة، أشاهدها تمضي بينما قدماي عالقتان في الأرض. لكن تلك اللحظة التي حركتني، كسرت القيود غير المرئية التي كانت تربطني.
الحركة لم تكن مجرد انتقال من سكون إلى فعل، بل كانت صحوة. صحوة للألوان التي كنت قد نسيت وجودها، للحلم الذي انطفأ ولم أكن أدرك أنه كان بإمكاني إشعال شرارته من جديد.
وعندما أعدت النظر في كل شيء حولي، اكتشفت أن السكون كان اختباراً. اختبارًا للصبر، للعزيمة، ولإيماني بأنني قادرة على الوقوف مجددًا بعد كل هدوءٍ يسبق العاصفة. عرفت أن القوة الحقيقية ليست في الانتصار على الخارج، بل في الانتصار على الجمود الذي يحاول أن يسلب مني حقي في التجدد.
وفي كل خطوة إلى الأمام، أدركت أن كل سكون يحمل بداخله نبضًا ينتظر، كل انكسار يحمل شرارةً تنتظر أن تعود للحياة.