محليات

نظراتهم تحمل شيئًا من التوديع الخفي!

 

بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي

الفراغ الذي يخلفونه بدأ يتشكل حولي، كظلٍّ طويل يمتد مع ساعات الغياب القادمة. لم تعد أحاديثهم تتردد بذات الحماس، ونظراتهم تحمل شيئًا من التوديع الخفي، كأنهم يجمعون ذكريات المكان في حقائب صمتهم.

هناك فتورٌ في اللمسات، وبرودٌ في النبرات، كأن خيوط الوصل بدأت تترهل استعدادًا للانقطاع. حتى تلك الضحكات التي كانت تملأ أرجاء المكان، أصبحت شحيحة، تخفي خلفها وعدًا ضمنيًا بالرحيل.

أرى في أعينهم شرارة قرارٍ قد اتُخذ بالفعل، نارًا هادئة تستعد للانطفاء تاركةً وراءها رماد الذكريات. كلماتهم باتت مقتضبة، وكأنهم يختصرون حكاياتهم معي، يستعدون لإغلاق فصلٍ والانتقال إلى آخر.

حتى الأشياء الصغيرة تشي بذلك؛ ترتيبهم المفرط لأشيائهم، نظراتهم الأخيرة على الزوايا المألوفة، صمتهم الطويل وهم ينظرون إلى الخارج. إنهم يجمعون صورًا ذهنية للمكان الذي سيغادرونه، يحفرون تفاصيله في ذاكرتهم قبل أن يصبح ذكرى باهتة.

أشعر بروح المكان ذاته تحتضر ببطء، تستشعر الغياب القادم، وكأنها تفقد جزءًا من هويتها برحيلهم. الهواء يصبح أثقل، والزوايا أكثر وحشة.

إنها ليست مجرد توقعات، بل هي قراءة دقيقة للغة الصمت، وفهم عميق لإشارات الوداع الخفية. رحيلهم يلوح في الأفق القريب، وكأن الأيام المتبقية ما هي إلا عد تنازلي لحكاية شارفت على الانتهاء. وكل ما أملكه الآن هو ترقب هادئ لهذا الفراغ القادم، ومحاولة استيعاب حقيقة أن بعض القصص لها نهاية، حتى وإن كانت مؤلمة.

سلمى حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى