
عبدالعزيز عطيه العنزي
الخطاط :تركي عبدالله العويس
في قلب المشهد التشكيلي السعودي، تبرز الفنانة هيا الخريش كاسم لامع يحمل في طياته عبق الماضي وروح التجدد. رحلة فنية ثرية، تتجلى في أعمالها التي تشبه متحفًا حيًا، يضم بين جنباته حكايات من زمن مضى، وتطلعات فنانة معاصرة تستلهم من جذورها لتنطلق نحو آفاق أوسع. إن استعراض مسيرتها الإبداعية هو بمثابة التجول في معرض يروي قصة فنانة صنعت لنفسها مكانة مميزة بصدق تعبيرها وعمق رؤيتها.
في بداياتها، نهلت هيا الخريش من معين التراث السعودي الغني، فجسدت في لوحاتها ملامح من الحياة التقليدية، وجماليات العمارة الأصيلة، وسحر الأزياء والحرف اليدوية. كانت ريشتها بمثابة عدسة فنانة تسجل تفاصيل دقيقة من الماضي، وتحافظ عليها من خلال ألوان تنبض بالحياة والشوق لتلك الحقبة. كانت أعمالها بمثابة نافذة تطل بنا على عالم مضى، لكنه لا يزال حاضرًا في ذاكرة المكان والوجدان.
بمرور السنوات، لم تكتفِ هيا الخريش باستحضار الماضي، بل بدأت رحلة استكشافية نحو آفاق فنية أرحب. تطورت أساليبها، وتنوعت مواضيعها، لتشمل قضايا معاصرة وتعبيرات أكثر تجريدية. لم تتخلَّ عن ارتباطها بجذورها، بل وظفت هذا العمق التاريخي في سياقات فنية حديثة، لتنتج أعمالًا تحمل بصمة الماضي بروح الحاضر، وتخاطب المتلقي بلغتين فنيتين متكاملتين.
إن “متحف هيا الخريش”، وهو التعبير المجازي عن مجمل إنتاجها الفني، يقدم للناظر تجربة فريدة. نتأمل فيها كيف استطاعت الفنانة أن تحافظ على أصالة رؤيتها مع الانفتاح على التطورات الفنية المعاصرة. نرى كيف نضجت أدواتها، وكيف تعمقت مفاهيمها لتلامس قضايا إنسانية واجتماعية برؤية فنانة واعية بدورها في مجتمعها.
إن تقدير أعمال الفنانة هيا الخريش هو احتفاء بمسيرة إبداعية متميزة، وبإسهامها في إثراء الحركة التشكيلية السعودية. إنها فنانة استطاعت بصدق موهبتها وعمق إحساسها أن تحول تجربتها الفنية إلى متحف حي، يحفظ لنا جزءًا من تاريخنا وجماليات فننا، ويقدم لنا في الوقت نفسه رؤية معاصرة تنطلق من الماضي لتستشرف المستقبل بألوان الإبداع والتجدد. ففي كل لوحة من لوحاتها، نجد حوارًا بين الماضي والحاضر، وبين الأصالة والمعاصرة، لنعيش معها رحلة فنية آسرة ومُلهمة.