بقلم د. عبدالحفيظ المالكي
يتم تداول عبارة (فلم هندي) في معظم الدول العربية للتعبير عن عدم التصديق بسبب المبالغة في الخيال والكذب والبعد عن الواقعية، وهذا ينطبق تماماً على الفلم الهندي الذي انتشر مؤخرا بعنون (حياة الماعز) الذي تدور قصته حول عامل هندي يتعرض لعملية نصب من قبل أحد الهنود في بلده الذي باع عليه تأشيرة للعمل في السعودية، وهو ما جعله يبيع ممتلكاته ويرهن بيته لتغطية نفقات سفره، وعند وصوله للمملكة يأخذه مواطن سعودي من المطار إلى الصحراء لرعاية الماشية، ويتعامل معه بقسوة لعدة سنوات حتى يتمكن من الهروب والعودة لبلده بمساعدة أحد العمال الأفارقة.
وهذه بعض الوقفات مع هذا الفلم:
سيناريو الفلم مبني على قصة قصيرة نشرت عام 1991 نقلا عن عامل هندي بسيط وغير متعلم؛ ولا يمكن الوثوق في مصداقية أقواله؛ فقد تكون القصة مختلقة برمتها، وذلك يثير الشك حول الهدف من وراء هذا العمل، ولماذا في هذا الوقت بالذات يتم انتاج هذا الفلم بناء على قصة مشكوك فيها وقعت أحداثها قبل أكثر من ثلاثة وثلاثون عاما؟! ولنفترض جدلا أن بعض أحداث هذه القصة حقيقية فإنها تعد حالة فردية لا يمكن تعميمها على المجتمع السعودي عامة؛ باعتبار أن ما ورد فيها لا يمثل أبدا أخلاقيات المجتمع وتعامله.
وبمشاهدة الفلم يتضح أن السيناريو يتضمن كثيراَ من الخيال والمبالغات والأكاذيب غير المنطقية، وفيه تظليل كبير جدا، فلا نظام المملكة يسمح بما جاء فيه من مشاهد، ولا حياة البدو بهذه الوحشية التي يصورونها؛ فالبدو من أكرم الناس وأشجعهم وأكثرهم نخوة وإنسانية وترحيباً بالوافدين، بعكس ما ورد بالفلم من إساءة للعرب عامة وليس للسعوديين خاصة، وتصويرهم على أنهم جهلة وغير متعلمين، وأنهم قذرين وليس لديهم رحمة أو إنسانية.
كما يقوم السيناريو على التطويل (التمطيط) الممل في الأحداث لاستدرار عطف وشفقة المشاهدين، ولإحداث التأثير السلبي وتشويه صورة الكفيل السعودي وإيصال رسالة سلبية جدا، ويتضمن أحداثا غير واقعية ومشاهد غير حقيقية وأخطاء إخراجية ولاسيما في التفاصيل الصغيرة، ومن ذلك منع العامل من الأكل والشرب، بل وتهديده بالسلاح وإطلاق النار عليه أكثر من مرة، وإظهار رجل الأمن السعودي وهو يحمل رتبتين ضابط على كتفه ووكيل رقيب على ذراعه، ومشاهد أخرى مثل السماح للكفلاء بضرب العمال أمام الشرطة وفي مراكز احتجازهم، بل إن من المشاهد التي لا يصدقها العقل وأسهمت في إطالة مدة الفلم سير العامل ومرشِده (العامل الأفريقي) عدة أيام وليالي في بيئة صحراوية صعبة جدا بدون ماء أو غذاء؛ وهو ما لا يمكن تصديقه بالنظر إلى قدرة الانسان على الحياة دون أبسط مقوماتها، وكذلك أيضاً وجود سعودي بسيارة رولزرويس في منتصف الصحراء الرملية لينقل العامل لأقرب مدينة ثم يتركه جوار أحد المساجد، فضلا عن تصوير الفلم في صحراء قاحلة مكونة من كثبان رملية متحركة؛ لا يوجد فيها نباتات ولا مرعى ولا مصدر مياه؛ مما يستحيل معه اختيارها من قبل أصحاب الإبل والأغنام الذين يختارون المناطق التي توفر لهم الحد الأدنى من الماء والكلأ.
ولا شك أن إنتاج الفلم وتوزيعه وما واكبه من ضجة وترويج يؤكد أن الهدف الرئيس لهذا العمل هو الإساءة إلى المملكة وأنظمتها وحكامها وشعبها؛ فالسعودية مستهدفة من قبل كثير من الحاسدين والناقمين عليها لما وصلت إليه من نهضة وتطوّر ومكانة دولية، وما الممولين والعاملين في الفلم المتعاونين مع المحور المعادي للسعودية إلا أدوات يتم توظيفهم للنيل من المملكة وبث العداوة والحقد والكراهية بين الشعوب العربية وغيرها، وعندما تعرف الممول والممثل الذي قام بدور الكفيل السعودي تدرك بسهولة الأهداف الخبيثة لهذا العمل.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا لم يتحدث الفلم عن الجوانب الإيجابية والتطوير الذي حصل في نظام العمل بالمملكة؟ ولاسيما أنه يوجد بالمملكة حوالي 13مليون عامل أجنبي ومنهم أكثر من مليونين هندي؟ فلماذا يأتون ويعيشون بالمملكة وينعمون بخيراتها؟ ولماذا لا يريد بعضهم العودة إلى بلاده إذا كان وضع العمالة بالمملكة كما يصفه الفلم؟ بل إن هناك مئات الآلاف من الحالات الرائعة (المنشورة) لأسلوب تعامل الكفلاء السعوديين مع عمالتهم التي تصل إلى حد تزويجهم وتربية أبنائهم واستقدام أهاليهم، ودعمهم مادياً ومعنوياً، لدرجة أن بعضهم يبكي عند مغادرة هذا البلد المعطاء، فأين هذه المشاهد وهذه الأحداث عن الكاتب والمنتج والممول؟!
الواضح إن من يقفون خلف هذا العمل المستفز إنما يرغبون في تشويه صورة المملكة وكبح جماح التقدم السريع فيها الذي يعجزون عن منافسته بشرف، ويأملون بهذا الافتراء أن يُفتح ملف حقوق الإنسان ونظام الكفالة وحقوق العمال بالمملكة من قبل المنظمات والهيئات الدولية المعروفة بتوجهاتها المعادية للمملكة وعدم حيادها؛ ولاسيما قبل استضافة المملكة لأحداث ومناسبات عالمية مثل اكسبو 2030 وكأس العالم 2034 كما فعلت مع دول أخرى، متناسين أو متغافلين عمدا عن أن المملكة قد طوّرت نظام الكفيل واستبدلته بنظام تحسين العلاقة التعاقدية منذ عدة سنوات؛ إلى درجة أن بعض المهتمين يرون أن نظام العمل الحالي أصبح في مجمله لصالح العامل على حساب مصلحة صاحب العمل.
والسؤال الذي ينبغي توجيهه لمنتجي وممولي الفلم والممثلين فيه من الأشقاء العرب؛ أَلَمْ يكن من الأفضل والأَوْلى لهم أن يقوموا بإنتاج أفلام وبرامج وثائقية عن اضطهاد أكثر من 200 مليون مسلم في الهند الذين يعيشون أبشع صور القمع والقتل من قبل الهندوس بدلا من انتاج هذا العمل الذي يهدف للإساءة لقبلة المسلمين؟! ولماذا لم يتم إنتاج الأعمال الفنية والبرامج الوثائقية عن إجرام العمالة الوافدة ولاسيما الهنود في دول الخليج؟!
ومن المؤسف حقاً تهافت بعض من يدّعون العروبة والأخوة في الدم والإسلام على استغلال هذا الفلم للنيل من المملكة والتشفي منها، وتصويرها على أنها بيئة غير مناسبة للعمل ولا يوجد فيها أنظمة تحمي حقوق العمال، رغم أن بعضهم وبعض أقاربهم يعيشون في المملكة منذ سنوات طويلة في أمن واستقرار وحماية كاملة، وكثير منهم يتمنى ويحلُم بتأشيرة عمل في المملكة، آخذين في الحسبان أن تحويلات العاملين بالمملكة للخارج قد بلغت أرقاماً فلكية تثبتها الإحصاءات والتقارير الدولية وتصنفها من أعلى مصادر التحويلات العمالية للخارج، ولكنه الحقد الأعمى الذي يجعلهم يتبنّون هذه المواقف ويرددون ما يَضُخّه الإعلام المعادي للمملكة من أخبار مزيفة وحملات منسقة.
وفي الختام ومع إيماننا بأن الكمال لله، وأن الأخطاء قد تحدث في المملكة وغيرها من دول العالم عامة والخليج خاصة، وأن لكل قاعدة شواذ؛ نؤكد أن هذا الفلم لو لم يكن يهاجم المملكة العربية السعودية ويسيء إليها وإلى أنظمتها ومواطنيها لما حصل على هذا الكم من الضجة والنشر والترويج والتعليقات السلبية بحق المملكة؛ هذه الدولة الفتيّة والشعب العظيم الذين يسابقون الزمن في جميع المجالات التنموية، وهو ما جعلهم في المراكز المتقدمة عالمياً وضمن مجموعة الدول العشرين الأكبر اقتصادا وتأثيراَ في العالم، مما يؤكد أن القافلة تسير، ويا جبل ما يهزك ريح.