
منصور بن نحيت
يتماشى هذا الإصدار مع الرؤية الثقافيّة لدولة الإمارات، التي تضع الإعلام والمعرفة في صدارة استراتيجياتها الوطنيّة
يسلّط هذا المحتوى الضوء على فلسفة الإعلام العملي، ويُعيد الاعتبار لدور المحرّر كضابط إيقاع الخبر، لا مجرّد ممرّر للمعلومة
يمثّل الإصدار صرخة ثقافيّة ضد الابتذال الإعلامي في زمن التشويش
صدق المتنبي حين قال “خير جليس في الزمان كتاب”، ففي زمن تتنازعه الشاشات والذكاء الاصطناعي، وتُختصر فيه المعرفة بمقاطع قصيرة ومنشورات سريعة، لا يزال الكتاب محافظاً على مكانته كأصدق مرآة للعقل والوجدان.
ففي الخليج العربي عامةً، ودولة الإمارات على وجه الخصوص، تتنامى حركة النشر والقراءة بشكلٍ لافت، مدفوعة برؤى ثقافيّة طموحة تُكرّس المعرفة عادة يوميّة وعملاً مؤسّسياً.
وبين سطوة الإعلام الحديث وتدفّق المعلومات الرقميّة، تبرز الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى صوتٍ يروي الحقيقة بعمق، ويُدوّن التجربة المهنيّة الصافية من قلب المشهد الإخباري.
ومن هنا، يأتي كتاب “ألغام غرفة الأخبار” للصحفي القدير آلجي حسين، كوثيقة إنسانيّة ومهنيّة فريدة، تشهد على كواليس صناعة الخبر وسط أكثر ساحات الإعلام توتراً وتأثيراً، مستعرضاً هواجس محرّر أخبار يقيّم خطورة زر نشر الأخبار على أنه لا يقل أهميّة عن “زر النووي”، موضحاً أن الثاني يدمّر البنية التحتيّة، بينما يجتهد الأوّل في تغيير المعارف، ثم الاتجاهات، فالسلوك. الكتاب صادر عن “دار تعلّم للنشر والتوزيع” في الإمارات، ويقول فيه مؤلفه إن محرّر الأخبار عليه السير في “حقل ألغام”، أو حتّى في منجم فحم؛ “فقد ينفجر بك لغم في أي لحظة”، متابعاً “إنها غرفة الأخبار، أيتها السيدات وأيها السادة، من تحدّ إلى آخر! إنه عالمي، عالم الأخبار”.
يدقّ الكتاب ناقوس الخطر محذّراً من الاستخدام غير السليم للكلمة، حيث يقول إن “الكلمة رصاصة”، يجب حسن استخدامها وترتيبها توقيتها وانتقائها ووضعها في سياقها الصحيح، إنسانيّاً ومهنيّاً، مشيراً إلى أن تحديات غرف الأخبار لا تقتصر على تحرير الأخبار وإعداد القصص الخبريّة فقط، بقدر ما يعايش المحرّر هموم الإنسان وكافّة تفاصيله لحظة بلحظة.
من الكوارث الطبيعيّة والتحديات الصحية العالميّة، إلى الأزمات الاقتصاديّة، والملفات الاجتماعيّة المتسارعة في مختلف القارات، مروراً بالتغيرات الجيوسياسيّة، والتحولات المجتمعيّة، وتنامي قضايا اللجوء والهجرة، إلى التغطيات الخاصّة بالانتخابات، والمؤتمرات الدوليّة، ومتابعة المستجدات في الشأن العربي والإقليمي… كلها محطات متلاحقة يواكبها الصحفي يوميّاً في غرفة الأخبار، ضمن سباق دائم مع الزمن والمعلومة.
يؤكّد آلجي حسين، في كتابه “أن أعيش كل يوم أكثر من عشر ساعات مضنية بين ثنايا الأخبار، وأستكمل المهمة في المنزل على شاشة التلفاز، مروراً بالهاتف المتحرّك (بين بين)، وليس انتهاءً بمذياع السيارة، فهذا يعني أنني وصلت إلى مرحلة من اللذة بتذوق الأخبار، لا يمكن الانفصال عنها بسهولة”.
ينقسم كتاب “ألغام غرفة الأخبار” إلى عشرة فصول، ومنها فصل “الأخبار لذة وأذى”، الذي يكشف أن مهنة الإعلام تُحرق الأعصاب وتتطلّب المتابعة، “قدرنا أن نبقى ساعات طوال جالسين وراء شاشات الكمبيوتر نتابع ونرصد ونحرّر ونترجم ونصنع ما لذ وطاب من الأخبار”، فيما يؤكّد فصل “الكلمة رصاصة في حقل ألغام” أن “هذه المهنة علّمتنا ولا تزال كيفيّة السير بين الكلمات، كمَن يسير بين ألغام، هذا إن افترضنا أن فريق كشف الألغام الذي يرافقنا هو حسنا الأمني والإنساني والمهني”.
وفي فصل “زر النشر أم النووي؟”، يقول الكتاب إن “رصاصة هتلر تنفذ إلى القلب مباشرة، ولم يعد وزير دعايته يوزف غوبلز، من أهم الدعاة، بل صارت الرصاصة تبحث عن دريئتها”، بينما يكشف فصل “القوة الناعمة للأخبار”، خطورة العمليّة التثقيفيّة للأخبار، كونها تخاطب الوعي البشري بدون وسيط، أمّا في فصل “فلسفة نظريات الإعلام”، فيقول إن “تلك النظريات قد تبدو مملّة، إلا أن فهمها يسهّل العمل في الإعلام، وتحديداً في الأخبار، لتتحوّل الأخبار لاحقاً إلى مهام عمل جميلة وعمل مسرحي أو موسيقي عالمي”.
وفي فصل “النداء الأخير للمحرّرين” من الكتاب، يوصي المؤلف زملاءه بتعزيز مهارة الإيجاز أو الاختصار أو البلاغة في كتاباتهم، دون إخلال باللغة أو المعنى أو التفاصيل، بالقول “استخدموا اللغة الإعلاميّة البيضاء البسيطة الفصيحة من دون أخطاء أو بلاغة فجّة، واصقلوا مواهبكم بشكل كبير”، داعياً إياهم للبحث عن ملاحظات وليس المدح “نحن تلاميذ إلى الأبد”. كما يتماشى هذا الإصدار مع الرؤية الثقافيّة لدولة الإمارات، التي تضع الإعلام والمعرفة في صدارة استراتيجياتها الوطنيّة… ربما لأن “من يقرأ، يرى العالم من خلال عيون مختلفة”، كما قال أحمد أمين.
جدير ذكره أن آلجي حسين صحفي وكاتب ومدرّب إعلامي سوري من أصل كردي، يحمل الإقامة الذهبيّة في الإمارات، عن فئة “النوابغ من المواهب”، وهو عضو فاعل في منظمات صحفيّة عدة، وتدرّج في العديد من المناصب الإعلاميّة، منها مراسل صحفي، محرّر، محرّر أوّل، سكرتير التحرير، رئيس قسم المراسلين، رئيس قسم الثقافة، رئيس قسم المجتمع، رئيس قسم السياسة، نائب مدير التحرير، مدير التحرير، مستشار إعلامي.. إلخ. كما نال مؤلف الكتاب عشرات التكريمات والجوائز داخل الإمارات وخارجها، وخضع للعديد من الدورات التدريبيّة الإعلاميّة، وسافر في مهمات إعلاميّة في مناطق ساخنة بالأحداث في العالم، كالعراق وسوريا والصومال، وتحصل على الماجستير والبكالوريوس في الإعلام، ويجيد التحدّث باللغات الكرديّة والعربيّة والإنكليزيّة.