مقالات وشعر

الانفتاح وتحديات هوية الأسرة

بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي

يشهد عالمنا المعاصر تحولات متسارعة في مختلف جوانب الحياة، ويأتي “الانفتاح” كأحد أبرز سمات هذا العصر. يشمل الانفتاح تدفق المعلومات والأفكار عبر الحدود، والتواصل الثقافي الواسع، وتبني أنماط حياة وقيم جديدة. وبينما يحمل هذا الانفتاح في طياته فرصًا للتطور والنمو والتعايش، فإنه يثير تساؤلات حول تأثيره على الهوية الأسرية، تلك النواة الأساسية التي تشكل جزءًا هامًا من نسيج المجتمع.
لا شك أن الأسرة، عبر تاريخها الطويل، كانت الحاضنة الأولى للقيم والمعتقدات والتقاليد التي تميزها عن غيرها. تنتقل هذه الهوية عبر الأجيال من خلال التنشئة الاجتماعية، والممارسات اليومية، والقصص والروايات العائلية. إنها الشعور بالانتماء المشترك، والإرث الثقافي الخاص، والنظرة المميزة للعالم.
ولكن، مع اتساع دائرة الانفتاح، تتعرض هذه الهوية الأسرية لتحديات متزايدة. فالتدفق الهائل للمعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وشبكات التواصل الاجتماعي، يعرض أفراد الأسرة لكم هائل من القيم والأفكار التي قد تتعارض مع ما نشأوا عليه. قد يجد الأبناء أنفسهم أمام نماذج وسلوكيات مختلفة، مما يخلق لديهم تساؤلات حول القيم التي تربوا عليها، وقد يدفعهم في بعض الأحيان إلى تبني أنماط جديدة قد لا تنسجم تمامًا مع هوية الأسرة.
كما أن التواصل الثقافي الواسع، والسفر، والعيش في مجتمعات متعددة الثقافات، يفتح آفاقًا جديدة للأفراد، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تآكل بعض الممارسات والتقاليد الأسرية التي كانت في السابق جزءًا لا يتجزأ من الهوية. قد تتغير أنماط الاحتفال بالمناسبات، وقد تختلف طرق التعبير عن المشاعر، وقد تتأثر حتى اللغة المستخدمة داخل الأسرة بدخول مفردات وتعبيرات جديدة.
لا يعني هذا بالضرورة أن الانفتاح يؤدي حتمًا إلى القضاء على هوية الأسرة بشكل كامل. فالأسرة قادرة على التكيف والتطور، ويمكنها أن تستوعب جوانب إيجابية من الانفتاح دون أن تفقد جوهرها. ولكن، يتطلب ذلك وعيًا وجهدًا من أفراد الأسرة للحفاظ على العناصر الأساسية التي تشكل هويتهم.
يكمن التحدي في إيجاد توازن دقيق بين الانفتاح على العالم وتقبل التنوع، وبين الحفاظ على الخصوصية والهوية الأسرية المميزة. يتطلب ذلك حوارًا مفتوحًا داخل الأسرة حول القيم والمعتقدات، وتعزيز الشعور بالانتماء المشترك من خلال الأنشطة المشتركة والاحتفاء بالتراث العائلي.

كما يتطلب وعيًا نقديًا لما يتم استهلاكه من معلومات وأفكار، وتمييز الغث من الثمين، والحفاظ على القدرة على اتخاذ قرارات واعية ومستنيرة تنسجم مع قيم الأسرة.
في الختام، يمكن القول إن الانفتاح يمثل قوة دافعة للتغيير، ولا تستثنى من تأثيره الهوية الأسرية. ومع ذلك، فإن “القضاء” على الهوية ليس قدرًا محتومًا. بل هو تحدٍ يدعو الأسر إلى التمسك بجذورها مع الانفتاح على العالم، وإلى بناء هوية مرنة ومتجددة تستوعب إيجابيات العصر دون التفريط في جوهرها وقيمها الأساسية. إن الوعي والجهد المشترك هما السبيل للحفاظ على هوية الأسرة قوية ومتماسكة في خضم عالم متزايد الانفتاح.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى