مقالات وشعر

التقنية والإنسانية في زمن التغير

إبراهيم عوض العنزي

في زقاق “الحرّة الغربية” في المدينة المنوّرة، عاش “حميد القصّاص” رجلاً يقرأ الأرض كما تُقرأ المخطوطات: لا تفوته التفصيلة ولا الأثر، يستدل بانحناء الرمل، ورائحة الغبار، ليقرأ الواقع كما هو، لا كما يُروى. كان حدسه نتاج تراكمي لخبرة وملاحظة، لا خوارزميات ولا حساسات.

في المقابل، تصيغ خوارزميات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعًا رقميًا شديد الدقة، لكنها بلا شعور، بلا تردد أخلاقي، ولا مساءلة ضميرية. وهنا يتضح الفارق الحاسم: الآلة “تحسب”، والإنسان “يفهم”.

ومن هذا الفارق ينبثق مفهوم الفطنة المركّبة:
مزيج متكامل من:
• الحدس الإنساني: المدفوع بالقيم والسياق والتجربة،
• والتحليل الآلي: المبني على السرعة والدقة والتوسّع.

هذا التكامل لا يحقق توازنًا عمليًا فقط، بل يمنح قراراتنا بعدًا أخلاقيًا في عصر تتسارع فيه المعلومات وتتشابك فيه الحقائق بالوهم.

في تقرير صدر عن المفوضية الأوروبية عام 2024 بعنوان “Deepfake – A Global Crisis”، نُبّه إلى تصاعد خطر المحتوى المزيف الناتج عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والذي بات يتخطى حدود الترفيه ليهدد الثقة العامة والأمن القومي والمجتمعي.

وفي مقال بمجلة Brown Political Review، تمت الإشارة بوضوح إلى أن مكافحة التزييف العميق لا تكون بالتقنية وحدها، بل تحتاج إلى تدخل بشري حاسم، مدعوم بالحدس والقراءة الأخلاقية للواقع.

في هذا السياق، يصبح “حميد القصّاص” رمزًا عربيًا حيًا: الإنسان الذي يستطيع التمييز بين الأثر الحقيقي والخداع، بين الرمل الذي مشى عليه إنسان، والرمل الذي عبثت به الريح.

ويجسّد موسم الحج هذا التوازن الفريد:
• 2016: أساور ذكية لمتابعة الحجاج صحيًا.
• 2019: روبوتات إرشادية متعددة اللغات.
• 2022: بطاقة “نُسُك” الرقمية لدمج البيانات الصحية والملاحية.
• 2025: نظام متكامل يستخدم الذكاء الاصطناعي مع إشراف ميداني بشري فعّال.

في كل هذه المراحل، جمعت التقنية البيانات وعالجتها، فيما أضفى العامل البشري السياق والرحمة والحكمة على القرار.

في الختام:

في عالم يُعاد تشكيله بواسطة خوارزميات لا تتعب، تبقى “الفطنة المركّبة” بوصلتنا.
حميد القصّاص ليس فقط شخصية محلية، بل أيقونة لفطنة بشرية نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ما تجربتك مع الفطنة المركّبة في عملك اليومي؟

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى