
تأليف السيد هاشم بن علي الكاف
مضت الأيام والسنون مسرعة، وها نحن اليوم وقد مضت 50 سنة، مرت كلمح البصر، لقد شاب أبو علياء وأبو أحمد كذلك فلقد أصبحا أصدقاء، وعاد كل منهم إلى دياره، ولكن أبو علياء لم تنطو صفحة علياء من حياته، والتي ظلت تشغل تفكيره، فمن شدة حزنه وبكائه أصابته الأمراض وأصبح ضعيف البدن، قليل الحركة مشغول البال، وشارد الذهن.
وأصبح أبو أحمد عمدة لقريته، ودوما ما يمتلئ مجلسه بالرجال ونادرا ما يحضر أبو علياء لمجلس العمدة.
إن قرية أبو أحمد الصغيرة تطورت وأصبحت مدينة يتوافد إليها الناس لغرض التبضع والتمتع ببرها الجميل، فنزح إليها معظم أهل الساحل يبتغون الحضارة والتعليم فيها، كونها تضم عدة مدارس بمختلف المراحل.
ذلك اليوم يقرر أبو علياء أن يذهب لمجلس العمدة ليتبادل الأحاديث مع العمدة، ومع مجلسه العامر بالناس، وليقضي عدة ساعات مع صديقة العزيز أبو أحمد، وبينما هما يتحادثان ومجلس العمدة يكتظ بالناس إذا بامرأة تبلغ من العمر قرابة الخمسين بدت عليهاملامح السفر والتعب، ترتدي ملابس قديمة من زمن عتيق، تأتي للمجلس طالبة الإذن لمقابلة العمدة، فيأذن لها بالدخول، فتطلب الإذن بالحديث فيأذن لها،
فتقول: سيدي العمدة يامن أوكل ولاة الأمر لقضاء حاجات الناس ومساعدتهم، عندي لك مسألة، سيدي العمدة أتيت إليك من بلاد بعيده، أتيت إليكم وحيدة، ويحمل قلبي عبئ أعوام عديدة، وتكالبت علي الأعوام المديدة، فتهاهت الأماني، وتعالت الصرخات، إن الناس تعتز بأباءها، وبحسبها ونسبها، حتى هذا الفخر ضاع مني.
فراحت تجهش بالبكاء، وتصرخ وتقول:
أنا من علم الأجيال الألف والباء
وكيف تكتب بالحروف أسماء
أنا من تعلم من الأنساب
وضاع مني نسبي وراح هباء
أنا من ربتني امرأة ناديتها أمي، حملت همي، وتعبت لأجلي، لم تتخل عني، علمتني، وأصبحت الآن معلمة، وأمي لم تعد على الحركة قادرة، أحببتها كما أحببت أن أعرف عن ماض عتيم، فهل تستطيع أن تهدئ القلب الحزين، فلا تنبش الجرح الدفين، وارحم حالي المسكين.
عم الهدوء على المجلس وبدأ العمدة بكلمات هادئة يستقي منها الخبر
وقال: لا عليك بنيتي فإن الله هيأ الأسباب، وقدر الأنساب، فخيرا قلت، ومني حاجتك سألتي، فهلا لله الأمر تركتي.
العمدة: هلا أخبرتني أين تعملين؟
فقالت: إني معلمة في المدرسة التي خلف مجلسكم، أدرس اللغة العربية
العمدة: ومنذ متى تعملين هناك؟
فقالت: منذ بداية هذا العام
العمدة: وأين تسكنين؟
فقالت: كنت أسكن في القرية المجاورة واليوم أسكن في دور المعلمات وأمي لا زالت في ديارنا.
العمدة: وأين هي دياركم؟
فقالت: إنها قرية ساحلية ووصفتها وذكرت أنها علمت من أمها أن أباها بالتبني مات على جزيرة على بعد ساعة ونص بحرا كان قد ذهب في رحلة صيد ولم يعد منها لليوم ولا يعلموا عنه شيئا
فسألها العمدة: يا ابنتي وما اسم أباك؟
فأجابت: منصور
وسألها: وما اسمك؟
فقالت: عندما وجدوني مع أمي التي توفيت على الجزيرة التي تحتوي على كوخ أبي منصور لم يعرفوا اسمي فقرروا تسميتي علياء.
في حلقتنا السادسة والأخيرة نكمل نهاية قصتنا