
أنس محمد الجعوان – مستشار إداري وشخصي
رغم ما يحققونه من نجاحات لافتة في مجالات الأعمال والإدارة والطب والابتكار، إلا أن عددًا متزايدًا من الرجال ذوي الأداء العالي يعانون بصمت من اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة (ADHD). هؤلاء ليسوا شبابًا فاشلين أو طلابًا مهملين كما ترسم الصورة النمطية، بل هم قادة ومهنيون ومتخصصون يعيشون صراعًا داخليًا لا يراه من حولهم.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية (CDC)، يُقدّر أن حوالي 4.4% من البالغين يعانون من اضطراب تشتت الانتباه، لكن الدراسات تشير إلى أن النسبة الفعلية قد تكون أعلى بكثير، إذ يُشخّص كثير من الرجال متأخرًا في الأربعينات أو حتى الخمسينات، بعد سنوات من الإجهاد والانفصال الداخلي بين “النجاح الظاهري” و”الضياع الذهني”.
“كيف يمكن لرجل ناجح أن يكون مصابًا باضطراب نفسي؟”، سؤال يتردد كثيرًا، لكنه يعكس فهمًا قاصرًا لطبيعة الاضطراب. فاضطراب تشتت الانتباه لا يعني عدم القدرة على الإنجاز، بل يعني أن الإنجاز يأتي غالبًا رغمًا عن أعراض مرهقة مثل التشتت المستمر، صعوبة البدء في المهام، كثرة التأجيل، ونوبات القلق الذهني.
وتُظهر دراسة حديثة من جامعة هارفارد أن بعض الأشخاص المصابين بالاضطراب يتميزون بمستويات عالية من الإبداع، والمرونة الذهنية، والحلول غير التقليدية، مما يساعدهم على التميز، لكن بتكلفة باهظة نفسيًا.
في أوساط العمل، يظهر هؤلاء الرجال غالبًا على أنهم أصحاب رؤية وابتكار، لكنهم يعانون في الخفاء من:
• عدم القدرة على إكمال المهام إلا في اللحظة الأخيرة.
• الاعتماد على التوتر كمحفز للإنتاج.
• صعوبة إدارة الوقت والالتزام بالمواعيد.
• الشعور المستمر بالذنب بسبب النسيان أو التقصير في التفاصيل.
ويؤكد تقرير نشرته مؤسسة CHADD المختصة باضطرابات الانتباه، أن 70% من البالغين المصابين بـ ADHD يعانون من صعوبات مهنية مزمنة، بما في ذلك تغيرات وظيفية متكررة، مشاكل في العلاقات داخل فرق العمل، وإرهاق ذهني مستمر.
كثير من هؤلاء الرجال لا يدركون أن ما يعانونه له اسم، ولا يلجؤون للمساعدة لأنهم اعتادوا تحميل أنفسهم المسؤولية الكاملة. بل إن بعضهم يظن أن معاناته جزء من “ضريبة النجاح”، وليس اضطرابًا يستحق العلاج والدعم.
يشير الباحثون إلى أن التشخيص غالبًا ما يتأخر بسبب:
• الصورة النمطية بأن “الناجحين لا يعانون”.
• الخلط بين النشاط والإبداع والتشتت.
• ثقافة اجتماعية تُمجّد الإنجاز دون النظر إلى الآليات النفسية خلفه.
يحتاج المجتمع، وخاصة بيئة العمل، إلى إعادة تعريف “الكفاءة المهنية”، لتشمل الجانب النفسي، والتنوع العصبي. كما أن هؤلاء الرجال بحاجة إلى أدوات تنظيم ذكية، دعم نفسي معرفي، وتشخيص دقيق. وتشير التقديرات إلى أن العلاج السلوكي المعرفي يمكن أن يحسن الأداء اليومي بنسبة تصل إلى 60% لدى المصابين بالاضطراب.
الخلاصة: ليسوا فاشلين ولا متاسلين
الرجال ذوو الأداء العالي المصابون بتشتت الانتباه ليسوا ضعفاء، بل هم منجحون رغم التحدي. وربما آن الأوان أن نكف عن سؤالهم “كيف تنجح؟”، ونسأل بدلاً من ذلك: “كيف يمكن أن ندعمك لتنجح دون أن تتشت.