
بقلم:عبدالعزيز عطيه العنزي
أيتها السيدة، كلماتي هذه ليست شكوى عابرة، بل هي أنين روحٍ أثقلتها الأيام. أنا منهك، حدّ التلاشي، حدّ أن أرى العالم ضبابًا كثيفًا لا أكاد أميز فيه معالمي.
الإرهاق ليس جسديًا فحسب، فجسدي اعتاد على مشقة العمل والسهر، لكنه إرهاق الروح، ذلك الثقل الخفي الذي يسحبني إلى الأسفل، يطفئ شغفي، ويجعل كل خطوة عبئًا.
لقد استنزفتني المعارك الصغيرة والكبيرة، تلك التي أخوضها مع نفسي ومع العالم. استنزفتني محاولات الفهم، والتبرير، والتجاوز. استنزفتني الوجوه المتغيرة، والوعود الزائفة، والأحلام التي تذبل قبل أن تزهر.
أنا منهك من حمل أوزار الماضي، من توقعات المستقبل، من الحاضر الذي يمضي سريعًا ولا يمنحني لحظة التقاط الأنفاس. منهك من ارتداء أقنعة القوة بينما داخلي يتهاوى، ومن التظاهر بالابتسام بينما قلبي يعتصر ألمًا صامتًا.
يا سيدتي، حتى محاولاتي للراحة تبدو عبثية. النوم لا يجلب لي السكينة، بل أحلامًا مضطربة تزيد من وطأة الإرهاق. والوحدة لا تمنحني السلام، بل صدى أفكاري المرهقة يتردد في أرجاء روحي.
أبحث عن مرسى هادئ، عن شاطئ ألقي عليه أثقالي، عن يدٍ تمتد لتمسح عن جبيني عرق التعب. لكن كل ما أجده هو المزيد من الطرق الوعرة، والمزيد من الوجوه الشاحبة، والمزيد من الصمت الذي يلتهم ما تبقى من طاقتي.
أنا منهك، يا سيدتي، وأحتاج إلى استراحة طويلة، إلى صمت عميق، إلى عناق دافئ يرمم ما تهشم في داخلي. أحتاج إلى أن أتوقف عن الركض، عن التفكير، عن الشعور بكل هذا الثقل الذي يكبّلني.
أتمنى لو كان بإمكاني أن أستلقي على صدر هذه الحياة وأبكي حتى يجف دمعي، حتى يخف هذا الحمل الذي يكاد يكسر ظهري. أنا منهك، وأتمنى لو أن كلماتي هذه تصل إلى قلبٍ يشعر، إلى روحٍ تفهم معنى هذا الإنهاك العميق.