
فاطمة محمد مبارك -أبها
في قلب العاصمة السعودية، وتحديدًا عند تقاطع طريقي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والأمير تركي بن عبدالعزيز الأول، يلفت “برج الفنون” الأنظار بواجهته النابضة بالألوان وروحه المفعمة بالابتكار، ليصبح معلمًا جديدًا يضيف بُعدًا فنيًا وثقافيًا إلى مشروع “البوليفارد الرياضي”.
يقف وراء هذا العمل الفنان السعودي المعروف عبد الناصر غارم، الذي عُرف منذ بداياته بأعمال تتقاطع فيها الرمزية والفضاء المعماري مثل “الصراط” و”طريق مكة”. ويصف غارم “برج الفنون” بأنه شاهد حي على التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة ضمن رؤيتها الطموحة 2030، معتبرًا أن الفن أصبح جزءًا لا يتجزأ من بنية المجتمع وهويته الحديثة.
كان البرج في الأصل أحد أبراج الكهرباء البالغ ارتفاعها 83.5 مترًا، وكان من المقرر تفكيكه ضمن تطوير المنطقة، إلا أن غارم اقترح إعادة توظيفه كمنصة تعبيرية فنية. يقول: “طلبت الاحتفاظ بأحد الأبراج لاستخدامه في عملي الفني، فقد رأيت في هذه البنية الصناعية فرصة لتحويل رمز من رموز الطاقة إلى منارة إبداع”.
وقد جُهّز البرج بـ691 لوحة ملونة تم توزيعها بعناية لتُضفي عليه طابعًا بصريًا ديناميكيًا، مستلهمًا من أنماط العمارة السعودية التقليدية، وتحديدًا الأشكال المثلثة التي تعكس وحدة النسيج الثقافي والاجتماعي بين مناطق المملكة. ويؤكد غارم أن اختيار هذه الأشكال لم يكن عشوائيًا، بل يرمز إلى جذور المملكة وبداياتها المتنوعة.
ويرى الكاتب والقيّم الفني الأميركي ناتو تومسون أن العمل يمثل “دليلًا ملموسًا على التزام المملكة بتغذية المشهد الثقافي، تمامًا كما أولت اهتمامًا لقطاع الطاقة في الماضي”، مضيفًا أن تحويل برج طاقة إلى معلم فني هو انعكاس للتوجه الجديد الذي يجعل من الثقافة أحد محركات التنمية.
ألوان البرج لا تظل ثابتة، بل تتغير مع الضوء، حيث يمنحه ضوء النهار طيفًا مغايرًا عمّا يظهر عليه تحت الإضاءة الليلية، وهو ما يجعل الطبيعة – بحسب غارم – شريكًا في تشكيل العمل. حتى الرياح ساهمت في تحديد توزيع القطع والفراغات، ليعترف الفنان بأن “الرياح أصبحت شريكتي في التصميم، وعلّمتني التواضع أمام قوة الطبيعة”.
ورغم أن “البوليفارد الرياضي” يهدف أساسًا إلى تشجيع النشاط البدني، إلا أن “برج الفنون” يُضيف بُعدًا آخر للمكان، إذ يشكل مساحة تأمل وتحفيز على التواصل الإنساني والانغماس في التفكير، بدلاً من الركض السريع وسط صخب المدينة.
ويختم غارم قائلاً: “الثقافة عنصر أساسي في مسار التنمية.. مثلها مثل الطاقة تمامًا، وهي استثمار طويل المدى وشهادة على التزام المملكة ببناء مستقبل ثقافي حيوي”.