
بقلم :- الإعلام صالح المحجم
التقيت برجل كبير في السن ، كنت أزوره بين الفترة والأخرى ، انقطعت عنه فتره طويلة ثم قررت زيارته.
وعند زيارتي له وجدته يشكو من ابن له ويطلق عليه الابن العاق.
هنا اقشعر جسمي ، وقررت الاستماع له وتبادل أطراف الحديث معه.
ثم بكى وهو يصف عقوق ابنه له.
وطلبت منه أن يسمح لي بالتدخل في هذا الموضوع والسماح لي بالتواصل مع ابنه فوافق.
خرجت من عنده وقلبي يعتصر ألما على ماسمعت ، وسألت نفسي هل مازال هناك أبناء بهذه القسوه على والديهم…؟؟
كان كل طلب الأب هو أن يرى ابنه ويأخذه في حضنه وأن يرى أبناء ابنه.
ومن منطلق الآيه القرآنية (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) قررت اسمع من الطرف الثاني(الابن)
ولكن قبل ان أسمع منه يجب أن اسأل عنه في محيطه ، وهنا كانت الصدمة.!
جميع من وجدتهم ويعرفون ذلك الابن من جيران وزملاء عمل وأقارب …الخ ، كانوا يثنون عليه ويمدحون فيه.
هنا تعجبت…..!!!!!
اتصلت على الابن وعرفته بنفسي وطلبت أن يسمح لي بزيارته في بيته وتناول معه فنجان من القهوة ، رحب بي وباتصالي واعطاني موعدا لمقابلته في منزله.
وعندما التقيت به ، وجدته رجل بشوش الوجه طيب النفس كريم العطاء.
بدأت آخذ المجلس في الكلام وبدأت أذكره بآيات قرانية عن بر الوالدين وعن أحاديث في هذا الجانب.
كان مستمعا جيدا وكانت دموعه تنزل من عينه بدون نحيب أو صوت.
ولما انتهيت من كلامي وطلبت أن اسمع منه ، رفض أن يدلي بدلوه حتى نتناول طعام العشاء المعد لي ولزيارتي.
وعند الانتهاء ونحن نتناول الشاي ، قال في البداية أبي لم يعلمني أصول ديني ، لم أتذكر يوما من الأيام أخذني إلى المسجد، لم أتذكر أني كنت أراه يذهب إلى المسجد، طردني من البيت وأنا عمري أربعة عشر عاما بدون أي ذنب، كنت اأام في الشارع وآكل من بقايا الطعام في حاويات القمامه ، أجلكم الله.
واستمر بي الحال حتى وصل عمري ثمانية عشر عاما ، وخلال هذه السنوات لم أرى أمي ولا إخواني ولا أخواتي.
ثم التحقت بالسلك العسكري وكنت في مدينة بعيدة عن مقر بيت والدي وعندما أصبح عمري واحدا وعشرين عاما طلبت منه أن يسمح لي بأن أرى أمي وإخوانيذوأخواتي، هنا بدأ يساومني على راتبي وقال : إرا أردت أن تراهم يجب عليك أن تدفع
واذا أردت المبيت سيختلف المبلغ.
استطرد ذلك الابن المغلوب على أمره في سدل بعض قصته التي ذكرتني بذلك الرجل الذي اشتكى ابنه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه …. واعتقد أن القصة معروفه للجميع.
استطرد ذلك الابن في سدل معاناته.
وقال: تزوجت وجاءني أبناء ، ولكن والدي مازال يطردني أنا وزوجتي وأبنائي بل انه سعى لتشويه صورتي في عملي وعند كل من يعرفني ، وطلبت منه ان يثبت لي صحة ماقال عن والده وقال أنا مستعد سوف أذهب إلى والدي وأريدك أن تكون معي في السيارة وشاهد من بعيد تصرفاته ، اتفقنا على ذلك.
وفي اليوم التالي… ذهبنا لوالده وكنت مرافقا لابنه في سيارته ، كان استقبال والده له بالكلام البذيء ، حتى أنه حاول تقبيل يد والده ورفض والده ثم طرده أمامي.
هنا ترجلت من السياره وقلت له يأبو فلان ، ألم تقل لي انك تتمنى شوفته وتاخذه في حضنك…الخ.
هنا تغير ذلك الوجه الذي كان باكيا عند زيارتي الأخيره له ، وأصبح شخصا مختلفا تماما.
وأثناء إطلاقه علي وعلى ابنه قاموسا من السب والشتم والكلام البذيء كنت أذكره بحديث الرسول صل الله عليه وسلم
رحم الله والدا أعان ولده على بره ، ولكن دون جدواى…
اتقوا الله، فإن أولادكم أمانة في أعناقكم، وأنتم مسئولين عنهم، هم رعيتكم، الرَّجُلَ رَاعٍ في بَيْتِهِ، مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، والذي يضيع رعيته متوعد بالوعيد الشديد يوم القيامة في الحديث الصحيح: ما من راع يسترعيه الله رعية ثم يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
وينبغي أن يعلم كل أب أن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، وطاعة الابن لأبيه ليست مسوغا للأب في ظلم ابنه، فكثيرا من الآباء -للأسف- يخلط بين حق الطاعة من الأبناء وبين استمرائهم للظلم وإيقاع الأذي النفسي والمادي
يقول عليه الصلاة والسلام لما قبَّل الحسنَ بن علي بن أبي طالب، وهو ابن ابنته فاطمة رضي الله عنها، وكان عنده الأقرع بن حابس أحد رؤساء بني تميم، فقال: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فقال له النبيُّ ﷺ: مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ»، فهذا فيه دلالة على أنَّ رحمة الأولاد وتقبيلهم على سبيل الرحمة والشفقة والإحسان إليهم من التأديب والتعليم
الأبناء قد ينسون قسوة والدهم، لكنهم لا ينسون ظلمه أبداً، نعم قد يعود الأبناء لبرّ والدهم القاسي، لكنهم قد لا يعودون لبرّ والدهم الظالم، أيها الآباء احذروا ظلم الآبناء.
إن كان الشرع حثنا على برّ الآباء، فينبغي ألا ننسى أيضا حقوق الأبناء فهم أمانة، وتأكد ان ماتزرعه فيهم ستجنيه مستقبلا فحاول أن تزرع فيهم الطيب والمحبه والمودة.