
معلا السلمي
نستيقظ كل صباح نبدأ يومنا وكأننا في سباق مع وقت لم يبدأ بعد نُفكر في المهام القادمة في الخطط المؤجلة في الأحلام التي لم تتحقق بعد ، نعيش على أمل أن يكون الغد أفضل أن نكون فيه أوضح أقوى أكثر سعادة لكن شيئًا ما لا يتحقق كأننا نعيش في واقع مؤجل نراكم اللحظات دون أن نلمسها فعليًا نؤجل الحياة نفسها لصالح نسخة قادمة لا نعرف متى تصل أو إن كانت ستصل أصلاً.
هذا السلوك الإنساني ليس وليد اليوم لكنه أصبح أكثر حدة في عالمنا الحديث. الإنسان عبر التاريخ كان دائم التفكير في المستقبل في النجاة في الغد. لكن في عصرنا لم يعد المستقبل مجرد توقع أو تخطيط بل أصبح ملاذًا نفسيًا. نلجأ إليه حين يضيق الحاضر نعلق عليه آمالنا ونضع فيه ما لا نملك شجاعة عيشه الآن.
نقول سأبدأ حين أكون جاهزا سأعيش كما أريد بعد أن أنتهي من كذا حين أُهاجر سأتغير هذه الحين التي لا تأتي تسرق منا الآن. نؤجل المواجهة نؤجل القرار نؤجل حتى الشعور. وكأن كل لحظة حقيقية تتطلب إذنًا زمنيًا بالحدوث.
الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر تحدث عن الإنسان ككائن ممتد في الزمن يرى وجوده عبر الماضي والمستقبل أكثر مما يعيشه في الحاضر.
وفي الفلسفات الشرقية نجد انتقادًا واضحًا لهذا الانفصال عن اللحظة. إيكهارت تول مثلاً يقول إن اللحظة الحالية هي المكان الوحيد الذي توجد فيه الحياة حقًا وأن التعلق بالمستقبل هو أصل القلق والتعاسة.
لكننا لا نمنح المساحة لنعيش الآن. نحن ندفع دفعًا إلى الأمام. كل شيء في الحياة المعاصرة يدفعنا نحو ما بعد: الإعلانات التطبيقات الثقافة الإنتاجية وحتى اللغة. نقاس بما سنفعل لا بما نحن عليه الآن. تقاس القيمة بالتحول لا بالحضور بالنتيجة لا بالتجربة.
وحين نسلم لهذه الوتيرة نخسر أشياء كثيرة. نخسر التجربة نفسها لأن اللحظة التي لا تعاش تنسى. نخسر العمق لأن السرعة لا تسمح بالفهم. نخسر أنفسنا لأننا نعيد تعريف هويتنا دائمًا بما سنكون لا بما نحن عليه.
نعيش في واقع مؤجل نتحدث عن المستقبل أكثر مما نهمس للحاضر وننسى أن ما نؤجله هو حياتنا. لكن هذا ليس قدراً . أن نعيش اللحظة لا يعني أن نهمل الغد بل أن نحترم الحاضر كمساحة حقيقية للوجود.
الآن هو كل ما نملكه فعلًا.
وإن لم نعيشه فلن نعيش أبدًا.