
بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
في حياتك، قد تُبتلى يومًا بكاذبٍ يفتري عليك ما لا تعلم، ويظن أن الزيف قادر على طمس الحقيقة. وربما ينتظر منك أن ترد، أن تنشغل به، أن تستنزف وقتك في جمع الأدلة والردود… لكن الحكيم لا ينزل إلى مستوى الجدل مع الباطل.
تذكّر دائمًا أن وقتك أثمن من أن تهدره في ملاحقة من لا قيمة له، وأن رفعة النفس تكمن في الإعراض عمّا لا يليق، لا في الغوص في تفاصيل لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر.
وقد قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام، حين اتُّهِم يوسف ظلمًا:
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]
فلم يبرر، ولم يدافع، بل فوّض الأمر إلى الله، وهو أعدل الحاكمين.
وفي سُنّة الحبيب صلى الله عليه وسلم دعوة للترفّع، إذ قال:
“أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا” [رواه أبو داود].
فكيف بمن أعرض عن مجادلة كاذب، واحتسب عزته ووقته عند رب العالمين؟
قل لنفسك بثبات: “كذبه عليه، ووقتي أكرم من أن أضيّعه في أمر لا يغيّر شيئًا من الحقيقة.”
وقد قيل في الحكم: “من سكت عن السفيه فقد أوجعه”، فالصمت في موضعه حكمة، لا يُدركها إلا النبلاء.
وقال المتنبي:
إذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأني كاملُ
فدع الكاذب يلهث خلف أوهامه، ودع الحق يعلو دون ضجيج.
وقد وعد الحقّ سبحانه فقال:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]
فاثبت، ولا تلتفت، وتوكّل على الله. فالحقيقة لا تحتاج صخبًا، يكفيها أن تكون… لأنها إن كانت، ظهرت، وإن طال الزمان، وانتصر بها أهلها، ولو بعد حين.
واعلم أن من رضي لنفسه الكذب، فقد خان ضميره قبل أن يفتري على غيره، وأن من رمى سمعته في مستنقع الزيف، فلن ينقذه صوت، ولن تصنع له الكذبة سترًا، وإن نسجها ألف مرة.
فامضِ مرفوع الرأس، ساكن القلب، نقيّ السريرة… واتركهم يعمهون.