مقالات وشعر

صمت مابعد الحج

جمع : أ.غازي عايد الشمري

عاد الحاج… لكنه لم يعد كما ذهب.
لم يكن يحمل معه سوى ثوبه الأبيض وقلبه الممتلئ بنداء: “لبيك اللهم لبيك”.
والآن… عاد، لكنه صامت.
ليس صمت التعب، ولا صمت الغياب، بل هو صمت يشبه السجود الطويل بعد سلام الصلاة…
صمت من ذاق القرب، وارتوى من دموع الدعاء، ثم عاد يحضن الحياة بروح أخرى.
كلماته قليلة، لكن قلبه يحدّثه كثيرًا:
هل غُفِر لي؟
هل قُبِلت؟
هل سأحافظ على هذا النقاء؟
بينه وبين نفسه حوار هادئ…
لا يراه الناس، لكنه يسمعه جيدًا.
صمته بعد الحج… هو امتداد للتلبية، هو تسبيحٌ خفيّ، وشكرٌ صامت، وعهدٌ جديد بأن يكون لله… كما كان في عرفات.
فيا من حججت، إن عاد صوت الدنيا… لا تنسَ صمتك الجميل، فربما كان في صمتك دعاء، وفي سكوتك قبول، وفي هدوئك بقاء على الطاعة

حين تسكن الروح، وتبدأ الرحلة الحقيقية…
بعد عودته من الحج، لم يكن الحاج كما تركوه…
وجهه تغير، عيناه أكثر عمقًا، وخطواته أكثر وعيًا…
وفي داخله، صوت خافت يهمس:
“لقد اقتربت من الله… فهل تحافظ على القرب؟”
ذلك الصمت الذي يسكن قلبه ليس فراغًا، بل امتلاء…
امتلاءٌ بالإجابات التي لم يكن يعرفها،
امتلاءٌ بمعاني: الرحمة، المغفرة، والتوبة.
صمته الآن… لغة بينه وبين ربه.
كلما أراد أن يتكلم، تذكّر الدعوات التي بكى وهو يرفع يديه بها في عرفة
فيسكت، ويبتسم، ويقول في قلبه: “يا رب، اجعلني كما دعوتك.”
الصمت ليس نهاية، بل بداية:
• بداية علاقة جديدة مع الله: بلا تكلّف، بلا شروط، فقط صدق وخضوع.
• بداية محاسبة للنفس: دون صوت، دون لوم، فقط هدوء وتأمل وتوبة.
• بداية عزلة محمودة: لا هروب من الناس، بل بحث عن لحظة صفاء.
في صمت ما بعد الحج…
لا حاجة للكلام، فالقلب يتكلم.
ولا حاجة للتبرير، فالله يعلم.
ولا حاجة للشرح، فالنظر في وجه الحاج يكفي ليحكي لك الحكاية.
لقد عاد…
ولكنه عاد وقد وُلد من جديد

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى