مقالات وشعر

عنز ولو طارت

بقلم الأستاذ/ وليد المرزوقي

بداية علينا التسليم أن التعصب علة كل بلاء ،فنحن اليوم في عصر تملؤه «الأنا « التي تحولت لتصبح شرسة وخارجة عن حدود المنطق، حتى بتنا مضطرين ان ننظر الى التعصب بشمولية أكبر ،حيث أننا بلغنا حد تفاقم ظاهرة التعصب وامتداده الى الخطاب الثقافي وطغيان الفكر السياسي للبعض حتى وصل الامر ببعضهم الى جمود وتعنت في الفكر لدرجة تخوين الاخرين ، وهذا هو التطرف الفكري والسلوكي الذي بات يعشش في عقلية المنتفعين والمرتزقة كما و نشهد التطرف في الخطاب الديني نشهد نوعا آخر لا يقل خطورة هو التطرف في الخطاب الثقافي والسياسي ، ونحن فعليا لا يمكننا ان نفصل الأسباب المؤدية الى التعصب الديني والتعصب الفكري السياسي في الخطاب الثقافي عن بعضها البعض فهي أسباب متشابكة ومتداخلة كونها ظاهرة مركبة،

تقوم على الخلفية المجتمعية الدينية بالدرجة الأولى والبيئية ،ومن جهة أخرى ،لا يمكن تجاهل تأثير الفلسفة وتداخل الثقافات بطريقة لم يعد يملك بها المثقف العربي الهويةالذاتية،مما وضعه أمام اختيارين لا ثالث لهما اما التقوقع وراء طائفته او حزبه أو عقيدته أو تقليد الغرب بطريقة عمياء، فتعالى عن بيئته وبات ينظر الى واقعه على أنه صناعة الجهل والتخلف في عالمه ، فنمت بذور التطرف في الخطاب الثقافي فنجد شعراء وكتابا ورسامين ومفكرين يروجون لفكرهم دون الأخذ بعين الإعتبار أن مشكلتنا الحقيقية كمجتمعهات عربية،تكمن ان أمثالهم ممن يسجنون عقولهم في دوائر ضيقة من المعرفة والاهتمامات والمعلوم انما هم بهذا الفكر المتعنت والمتعصب يدمرون المجتمع ويفككون اواصره تحت اوهام ثقافتهم الضحله وانعدام الرؤيا لديهم وتمسكهم باوهام ما يفكرون فيهة

التعصب يجعل الإنسان أعمى يبحث عن تبريرات لنفسه ليقنع نفسه أنه هو من يملك الحقيقة المطلقة مهما كانت مخالفة للمصالح الإنسانية والعقل والعدل ، فالتعصب الثقافي يرتدي أثوابا كثيرة منها الانتماء لجماعة أو لطائفة أو لعرق وهي تلبس ثوب الوطنية أحياناً وتلبس ثوب الدين أحياناً

وربما علينا أن نجيب على سؤال يفرض نفسه :ما هي أسباب التعصب؟

وتعزى إلى أسباب منها التنشئة الاجتماعية: حيث يربى الإنسان على زرع قيمة غير حقيقة تقول : انه الأفضل وأنه الأذكى فيستخف بغيره كذلك النشأة في أسرة تميز ضد اللون أو الجنس أو القبيلة والجماعة أو الفكر وتغذي روح التعصب والتطرف ضد الآخر تنتج لنا أناسا متعصبين ومتحجرين ومتطرفين والأسرة نواة المجتمع، وتأثير تنشئتها لابد وأن يظهر في المجتمع ، وقد يغلب فيكون التعصب هو الصبغة العامة له

تضخم الذات: حيث تتضخم الأنا فلا تتمكن من سماع غير طروحات المتعصب فهو يملك الحق وما دونه باطل

التخلف المعرفي الذي يؤدي الى الجهل :غالبا هناك جهل بين في معرفة الآخر او محاولة معرفته وتبين نقاط الخلاف بين الفكرين فهناك رفض كلي لأي طرح آخر مما يضيق مدارك الوعي ويجعل الدائرة مغلقة لا يمكن البناء عليها فيشتد الخلاف، ولعل الهجوم على الاخرين هو نتاج هذه الانا لان عقدة الانا مرض مستحكم يصعب التعامل مع هؤلاء كما ويصعب علاجهم وهم خطر على المجتمع لما تتصف فيهم شخصيتهم من نرجسية رفع المصالح الشخصية فوق مصلحة المجتمعات :
مما أفرز عددا من الجهلاء الذين يدورون الزوايا بحسب أهوائهم ومصالحهم ويعملون وفق منطق الأقوى من خلال محاولاتهم لإلغاء الآخر
ونضرب مثالا في الفهم الديني الخاطئ: وهو من أسباب التعصب الرئيسية فالتعصب الصليبي ضد المسلمين كان ناتجا من فهم خاطئ لمبادئ الدين النصراني، والتعصب المذهبي الذي أدّى إلى رفض الآخر في الإسلام كان ناتجاً من فهم خاطئ لاتباع العلماء.
هذا السبب من أخطر الأسباب لأنه يقوم على تحريك العاطفة الدينية وبث فكرة ان هذه ارادة الله وممارسة تضليل لا ينادي بضرورة التنوع الثقافي والفكري وحتى الديني وغالبا سنجد ارتفاع وتيرة الغضب والخطاب الإلغائي في المشهد الثقافي يحركه ظهور التطرف الديني،فلم يتمكن المثقفون العرب من النأي بالنفس عن ما يحدث لذا هم تورطوا الى حدا ما ان لم يكن في احيان كثيرة يجندون لخدمة مشاريع غير معروفة الجهات ضمن برمجة معينة تهدف الى اعادة نشر بعض المفاهيم الضيقة وجذب الشباب والتأثير في المجتمعات او اثارة البلبلة فيها.
لهذه الأسباب نجد ما نراه اليوم في الخطاب الثقافي من ضيق في أفق وهوى ذهني يجعل المتعصب لا يري إلا فكره ويلغي أي فكر آخر على الوجود، وحضارتنا الفكرية القائمة إلـى يوم القيامة هي الضدية الأكيدة للتعصب الفكري بل هي السماحة العقلية والوجدانية والسلوكية التي تستوعب العالم أجمع باختلاف فكره واختــلاف معطياته واختلاف تنشئته عليه.

والدعوة لخطاب ثقافي فكري جديد يعني الثورة لأنه تحرير للعقل والمنهج والرؤية، والمفكر الوطني المخلص والغيور على قضايا أمته ومصالحها ونهضتها، هو الحامل للرؤية التنويرية في التحديث والتحرير، وهو سياسي وثائر على الواقع الحاضر في حصيلة هذا الأمر علينا أن نبدأ في إعادة نشر القيم الإنسانية والخروج من الزواريب الضيقة في الأطروحات الفكرية فالمثقف لا يجب ان يقبل أن يجند فكره لخدمة الشر بل الأصل ان يكون فكره في خدمة الخير

شعبان توكل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى