
بقلم: الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
في مسيرة الحياة، لا يسلم أحد من مواقف قد تُسبب جرحًا أو إساءة، غير أن الحكيم يدرك أن تكرار الزعل يُضعف المحبة، ويُقوّض أواصر التآلف، ويفتح للشيطان أبواب الفرقة والنفور.
فالزعل المتكرر يشوّه جمال العلاقات، ويطفئ وهجها، ويحوّل القرب إلى جفاء، والمودة إلى فتور. وليس كل كلمة تستحق العتاب، ولا كل زلة تستوجب الغضب، ولا كل موقف يَحتمل انفعالًا دائمًا.
وقد حثّنا ربنا سبحانه وتعالى على العفو والإصلاح، فقال:
{فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40]،
وهو وعد كريم لمن غلّب التسامح وكفّ الزعل، وجعل الإصلاح منهجًا.
وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
“لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” (رواه البخاري).
فمن أراد النجاة في الدنيا والآخرة، فليُبادر إلى الوصل، وليكسر حدة الزعل بعقلٍ وقلبٍ كبير.
المحبة الحقيقية تُبنى على التسامح، وتدوم بالتغافل، لا باللوم الدائم، ولا بالبحث عن الزلات. فالمُحبّ الصادق هو من يحتضن من يحب برحابة صدر، ويترفّع عن الصغائر.
وقد قال أحد الشعراء:
أحبُّ من الإخوان كلَّ مواتٍ ** وكلَّ غفورٍ للعيوبِ سِتيرِ
فما أجمل أن نجد في أحبابنا من يُغضي عن الهفوة، ويستر الزلة، ويُقدّم حسن الظن على سوء التأويل.
وقد عبّرت العرب بأمثالها عن هذه المعاني السامية، فقالوا:
“التغافل حكمة”
“العفو عند المقدرة من شيم الكرام”
“العتب على قدر المحبة”
“من عاتب كل من أساء إليه، ما أبقى له صديقًا”
كم من صداقةٍ تلاشت بسبب كلمة لم تُغتفر، وكم من زواجٍ انهار لأن الزعل غلب العفو، وكم من أُسر تفرّقت لأن التسامح غاب عنها.
التغافل فنّ، والعفو قوّة، وحُسن الظن حياة. فمن تعلّم فن التسامح، نال سكينة الروح، وحفظ علاقاته من التصدّع، وأعاد الدفء إلى قلوب كادت أن تبرد بفعل الزعل المتكرر.
فلنكن رحماء في عتابنا، عقلاء في خصامنا، كرماء في مسامحتنا، فإن الحياة أقصر من أن تُستنزف في الزعل، وأغلى من أن نُفرّط فيها بمن نُحب.