
بقلم : المحامية جوهرة سالم المسعدي
تُعتبر المملكة العربية السعودية مسؤولة أمام الله تعالى والعالم الإسلامي عن رعاية الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن.
وقد تجلى هذا الالتزام في تطوير منظومة قانونية وتشريعية متكاملة، تُعد نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود وتنظيم الفعاليات الكبرى.
هذه الدقة القانونية ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج عقود من الخبرة المتراكمة، والتخطيط الاستراتيجي، والتطبيق الصارم للشريعة الإسلامية. وتقف المملكة العربية السعودية، حاضنة الحرمين الشريفين، لتُترجم قدسية الشريعة الإسلامية إلى واقع ملموس من خلال دقة تنظيم قانوني لا مثيل له، يضمن للحجاج أداء نسكهم في أمن وأمان ويسر .
وتُصدر المملكة أنظمة تأشيرات محكمة، تهدف إلى تنظيم دخول الحجاج ومنع التكدس غير المنظم. هذه الأنظمة تُراجع وتُحدّث باستمرار لتواكب الأعداد المتزايدة، مع التركيز على تسهيل الإجراءات قدر الإمكان دون المساس بالأمن والسلامة. ويتم التعامل بحزم مع المخالفين لأنظمة الإقامة، وذلك لضمان حقوق الحجاج النظاميين وتوفير بيئة منظمة لهم.
حيث تُبرم عقودٌ قانونية بين شركات ومؤسسات الحج والجهات الحكومية المختصة، وكذلك بين هذه الشركات والحجاج. هذه العقود تحدد بوضوح الخدمات المقدمة، جودتها، تكاليفها، والمسؤوليات المترتبة على كل طرف. تقع هذه العقود تحت إشراف ورقابة صارمة من قبل وزارة الحج والعمرة والجهات الأمنية، لضمان التزام الشركات بتقديم أفضل الخدمات وحماية الحجاج من أي استغلال أو تقصير تُطبق المملكة قوانين ولوائح صارمة تتعلق بإدارة الحشود في المشاعر المقدسة. يتم توظيف أحدث التقنيات وأفضل الكوادر البشرية لضمان سلامة الحجاج ومنع التدافع، مع وجود خطط طوارئ واستجابة سريعة لأي حدث.
تشمل هذه القوانين تنظيم الحركة المرورية، وتحديد مسارات المشاة، ووضع نقاط تجمع وطوارئ واضحة. وقد استثمرت المملكة مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية للمشاعر المقدسة، من توسعة الحرمين الشريفين، إلى تطوير قطار المشاعر، وشبكة الطرق والجسور.
تُصاحب هذه التطورات تشريعات بيئية صارمة تهدف إلى الحفاظ على نظافة وصحة البيئة خلال فترة الحج، بما يتماشى مع تعاليم الإسلام التي تحث على النظافة والعناية بالبيئة.
وقد وفرت المملكة آليات قضائية وقانونية لفض النزاعات وحماية حقوق الحجاج في حال وجود أي مخالفات أو تقصير في الخدمات. يمكن للحجاج تقديم الشكاوى للجهات المختصة، والتي تضمن التحقيق العادل واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنصاف المتضررين.
إن التكامل بين قدسية الشريعة ودقة التنظيم القانوني السعودي في الحج ليس مجرد تعايش، بل هو تلاحم فريد يؤكد على شمولية الإسلام ومرونته في إدارة شؤون الحياة.
إنه يُظهر كيف يمكن لمبادئ الدين السامية أن تتحول إلى أنظمة عملية وفعالة، تُسهم في تحقيق الصالح العام وتيسير العبادات. في كل عام، ومع توافد ملايين الحجاج، تتجدد قصة هذا التكامل، وتتأكد للعالم أجمع قدرة المملكة على قدرت التمكين بهذه المسؤولية العظيمة بكفاءة واقتدار.
بعد هذا العرض الشامل للجهود المبذولة، لا يسعنا إلا أن نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير إلى المملكة العربية السعودية، قيادةً وحكومةً وشعبًا، على ما تقدمه من تنظيم رائع وإدارة حكيمة لشعيرة الحج العظيمة.
إن ما نشهده من سلاسة في التعامل مع الحجاج، وقدرة فائقة على استيعاب الأعداد الغفيرة، وتوفير كافة سبل الراحة والأمان، لهو دليل راسخ على الإخلاص والتفاني في خدمة ضيوف الرحمن.
لقد أثبتت المملكة، عاماً بعد عام، قدرتها الفائقة على تسيير هذه المناسبة الدينية الكبرى بأعلى درجات الكفاءة والاحترافية، مما يضمن للحجاج أداء نسكهم بكل يسر وطمأنينة. فجزاكم الله خير الجزاء، وجعل هذا العمل في ميزان حسناتكم.