مقالات وشعر

هل أصلح النجار بابه؟

بقلم : د. قمره بنت حطاب السبيعي
أستاذ القيادة الإدارية والتعليمية وبرامج الموهوبين المساعد

أثناء حضوري لأحد الملتقيات العلمية، جلست بجوار رجل مسن لم ألتقِ به من قبل. في لحظة عابرة، سأله أحد الحضور عن مهنته، فأجاب بثقة وهدوء: “I am a financial professor.”

بدأ الجواب بسيطًا في ظاهره، لكن صداه في داخلي كان مختلفًا.
تساءلت:
هل يعني ذلك أنه ثري؟
هل يدير أمواله بوعي واتزان؟
هل يعيش ما يُدرّسه لطلابه؟
وهل كل من يُلقّن الآخرين مبادئ مالية هو بالضرورة قد أتقنها في حياته؟

تلك الإجابة، بصياغتها الواثقة، دفعتني إلى مساحة من التأمل.
أدركت أن كثيرًا من المهن والتخصصات تحمل افتراضات ضمنية؛
فنحن نظن أن الطبيب لا يمرض، والمدرب الرياضي لا يرهق، والمستشار النفسي لا يعاني، وأستاذ المالية لا يُخطئ في إدارة ماله.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا.
قد يتخصص الإنسان في علم، ويبدع في تدريسه، ويمتلك رؤية نقدية وتحليلية عميقة، دون أن يكون قد مارس كل تفاصيله بعد.
قد يرى الطريق بوضوح، لكنه لم يَسِر فيه بعد، أو يسير فيه بخطى مترددة، كما يفعل كثير من البشر.

وهنا تذكرت قولًا قديمًا:
“باب النجار مخلوع.”
وطرحت على نفسي سؤالًا مغايرًا: هل أصلح النجار بابه؟

ثم اتسعت الفكرة أكثر…
ليس كل من يتحدث عن مشروع هو بالضرورة رائد أعمال،
وليس كل من يتقن المصطلحات يُتقن الممارسة.
وفي زمن تعج فيه المنصات بالحديث عن الإنجاز والتخطيط والريادة، علينا أن نتريث.

حين نرغب في الاسترشاد، لا بد أن نُميز بوعي بين:
• من ينظر ويحلل من الخارج.
• ومن يُطبق ويخوض التجربة فعليًا.
• ومن يجمع بين الرؤية والتجربة، ويُقدّمها بوعيٍ صادق وحدودٍ يعرفها.

ولا شك أن الجمع بين النظرية والتطبيق هو الأفضل،
إذا كان من يقوم به مدركًا لنفسه، صادقًا في علمه، متواضعًا في دعواه.

في هذا السياق، ظهر لي بوضوح مفهوم -conscious business education – تعليم مالي يحمل بعدًا أخلاقيًا، لا يتوقف عند الأرقام والمفاهيم الجافة، بل يتصل بالنية، والعدالة، والوعي الأوسع بالمسؤولية.
فأن تعرف لا يعني أن تطبّق، لكن أن تعي ..فهذه بداية الطريق نحو التطبيق.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى