مقالات وشعر

سحابةٌ معطاءةٌ في سماء المدينة النبوية، جمعية رؤية حيث يُبصر الأملُ من لا يرى.

 

بقلم/هدى الحربي.

من جوار الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وتحت سقف الرحمة والإنسانية، وُلدت جمعية رؤية لتكون شعاعًا من نورٍ في حياة من فقدوا نعمة البصر، لكنهم لم يفقدوا نور البصيرة، ولا وهج الإرادة.

جمعية رؤية لخدمة المكفوفين، ليست مجرد مؤسسة غير ربحية، بل كيان إنساني نابض، تأسس ليحتضن ذوي الإعاقة البصرية في المدينة المنورة، ويمنحهم من الدعم والتمكين ما يعيد لهم الثقة، ويُعزّز قدرتهم على الاندماج والمشاركة في كافة مجالات الحياة.

وسعادتُنا نحن مكفوفي طيبة الطيبة، كانت أكبر من أن يصفها الحرف، أو يُترجمها التعبير. حين وُلد هذا الكيان النبيل، صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، شعرنا بأن لنا صوتًا ومكانًا وأثرًا.

منذ انطلاقتها، أخذت الجمعية على عاتقها تمكين المكفوفين من الاعتماد على أنفسهم، عبر برامج تأهيلية نوعية، وتقنيات حديثة تعينهم في تفاصيل حياتهم اليومية، إضافةً إلى دورات تدريبية متخصصة في المهارات التقنية والمهنية، مما يجعلهم قادرين على المساهمة الفاعلة في المجتمع، لا بوصفهم محتاجين، بل شركاء في البناء والعطاء.

وبدأت تلك السحابة تُغيث أفئدة ذوي البصيرة بوابلٍ من العطاء والدعم المستمر، حتى غدت مظلةً رحبة، لا تقتصر على تقديم الخدمات، بل تمتد لتحتضن الطموحات، وتزرع الثقة، وتُشيّد جسورًا من الفهم والاحتواء بينهم وبين المجتمع.

واليوم، تخطو الجمعية خطوة نوعية نحو مشروعها الرائد: إنشاء مبنى حديث يضم أقسامًا متكاملة تخدم المكفوفين بمهنية وجودة عالية، ليكون بيئة شاملة وآمنة تراعي خصوصيتهم وتستثمر طاقاتهم. غير أن هذا المشروع الطموح لا يزال بحاجة إلى دعم كريم من المجتمع وأهل العطاء؛ ليستكمل رسالته ويقف شامخًا في خدمة مستحقيه.

ومن بين هذه الأقسام، يبرز قسم الإعلام كأحد أبرز محطات التمكين؛ إذ يُشكّل نافذةً حقيقيةً للمكفوفين للتعبير عن ذواتهم وإيصال صوتهم للمجتمع.

ولأجلي شخصيًا، كان هذا القسم بداية مسيرتي الإعلامية، وانطلاقتي الأولى في عالم الكلمة والتأثير.

وقد منحني من الدعم والتقدير ما لم أجده في أي مكان آخر.

وكان للأستاذ ماهر الجهني دورٌ مشجّع في رحلتي، إذ كان يُثني على ما أكتب بكلمات محفزة، ويوجهني بلطف إذا أخطأت، مما منحني ثقةً كبيرةً بنفسي، ودفعني نحو الأفضل. وكذلك الأستاذ ياسر الشريف الذي منحني صلاحيات القسم؛ شعرت حينها بعِظم المسؤولية، لأنهما منحاني الثقة، وأصبحت أراعي في صناعة المحتوى الحروف قبل الكلمات.

وضعت أمامي هدفًا واضحًا: أن أُوصل رسالة المكفوفين، وأرسم صورةً مشرّفةً للجمعية عبر الإعلام. أصبحت حسابات الجمعية جزءًا مني، أُعبّر بها عن رسالتنا، وأروي من خلالها قصصنا الملهمة، وأبرز إبداعاتنا وقدراتنا.

وبتوفيق الله أولًا، ثم بسعيي وجهدي، وبدعمهما المتواصل، استطعت أن أُطوّر مهاراتي الإعلامية، وأُسهم في خدمة هذه الرسالة النبيلة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، فلهما مني جزيل الشكر، وصادق الدعاء.

إنها لا تمنح خدماتٍ فحسب، بل تمنح حياة.

هي نبعٌ متدفقٌ يمطر في صمت، فتُزهِر عزائم لا تُقاس بالبصر، وتُضيء دروبًا اعتادت أن تسير بنور البصيرة.

هنا، لا تُقاس البصيرة بالبصر، بل بالأثر الذي يُترك في حياة الآخرين.

عسى أن تظل كلماتي شاهدةً على بذلٍ لا ينضب، ورسالةً أتشرف بحملها، وصوتًا لمن لا يرى، لكنه يُبصر بالأمل طريقه.

سلمى حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى