
الظهران – مريم المقبل – سعاد الداموك
شهد مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، مساء أمس، انطلاق فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية، الذي تنظّمه جمعية السينما بالشراكة مع “إثراء”، وبدعم من هيئة الأفلام، وسط حضور فني وثقافي محلي وإقليمي ودولي، ومشاركة لافتة من صُنّاع الأفلام، ونقّاد السينما، وجمهور من المهتمين بالحركة السينمائية وبالثقافة البصرية.
ويُعد مهرجان أفلام السعودية، الذي انطلق لأول مرة عام 2008، أحد أقدم المبادرات السينمائية في المملكة، وقد حافظ على استمراريته بوصفه منصة للتبادل الإبداعي، وتعزيز الإنتاج المحلي، ونافذة على التجارب السينمائية من مختلف أنحاء العالم. كما تُعد هذه الدورة امتدادًا لشراكة استراتيجية تجمع المهرجان بـ”إثراء” منذ عام 2014، وأسهمت في ترسيخ مكانته ضمن خارطة السينما الخليجية والعربية.
ويقدّم المهرجان، الذي يستمر حتى الثالث والعشرين من أبريل الجاري، برامجًا نوعية تحتفي بالسينما بوصفها مرآة للهوية وتجسيدًا للسرد البصري، ويعرض هذا العام 68 فيلمًا سعوديًا وعربيًا ودوليًا، منها 36 فيلمًا سعوديًا وخليجيًا بين روائي ووثائقي وقصير، ضمن مسابقاته الرسمية ومحاوره المتخصصة، إلى جانب 131 فعالية وبرنامجًا مصاحبًا، تشمل عروضًا وورش عمل وندوات وجلسات حوارية.
وجاءت انطلاقة الدورة الحالية بسجادة حمراء استقبلت الضيوف والمشاركين، تبعتها مراسم الافتتاح الرسمي على مسرح إثراء، إيذانًا ببدء أسبوع حافل بالعروض والتجارب واللقاءات.
وافتتح المهرجان دورته بالفيلم السعودي “سوار” للمخرج أسامة الخريجي، في عرضه الأول، وهو فيلم درامي مستوحى من حادثة واقعية وقعت في نجران عام 2003، حين تم تبديل طفلين حديثي الولادة عن طريق الخطأ، قبل أن تُكتشف الحقيقة في عام 2007، ما يفتح أمام العمل مساحة درامية خصبة للتأمل في أسئلة الهوية والانتماء.
وقدّم حفل الافتتاح النجمان السعوديان خالد صقر وعائشة كاي، بطلا المسلسل الرمضاني “شارع الأعشى”، في إطلالة تعكس الحضور المتنامي لنجوم الدراما السعودية في المشهد السينمائي المحلي.
وفي هذا المضمار، عبّر مدير المهرجان الشاعر أحمد الملا عن اعتزازه بانطلاق الدورة الجديدة، قائلًا:
«هذا المهرجان ليس مجرد موعد سنوي لعرض الأفلام، بل هو مساحة للإنصات إلى القصص التي تُروى من قلب التجربة، ومن عمق الانتماء. سبعة أيام من السينما تُشبه شغفنا، نحتفي فيها بما هو أكثر من الصورة… نحتفي بالوعي، بالتاريخ، وبالمستقبل الذي نكتبه من خلال هذه الحكايات التي تتحرك على الشاشة».
وعلى الصعيد نفسه، أعربت هناء العمير، رئيس مجلس إدارة جمعية السينما، عن اعتزازها بما تشهده السينما السعودية من تحوّلات لافتة، مؤكدة أن:
“الأفلام السعودية لم تعد تقتصر على الظهور النادر، بل باتت تزاحم بعضها في صالات العرض، في مشهد يعكس دينامية متسارعة وحضورًا آخذًا في الترسّخ.”
وأضافت:
“اخترنا محور (سينما الهوية) لا لادعاء الاكتمال، بل لطرح سؤال جوهري: هل بدأت تتشكّل ملامح واضحة لهويتنا السينمائية؟ أم أننا لا نزال في طور التلقي والتأثّر، نكتب خطواتنا الأولى بوعي متنامٍ وتجريب دائم؟”
وتابعت:
“ومن هذا المنطلق، نسلّط الضوء على تجربة السينما اليابانية بما تحمله من مدارس فنية وتاريخ عريق، كونها واحدة من أبرز التجارب التي استطاعت أن تُقدّم للعالم سينما بهوية أصيلة لا تخطئها العين.”
كما أعلنت خلال كلمتها في حفل الافتتاح عن تدشين الموقع الرسمي لجمعية السينما وفتح باب العضويات، مؤكدة أن هذه الخطوة تمثّل انطلاقة جديدة نحو توسيع دائرة المشاركة المجتمعية في صناعة السينما السعودية.
واختتمت العمير بتوجيه الشكر لكل من أسهم في إنجاح هذه الدورة، قائلة:
“نُعبّر عن امتناننا العميق لكل من شارك في هذا المنجز؛ من صُنّاع أفلام، وشركاء، ومؤسسات داعمة، إلى كل من يرى في السينما لغةً تُحكى، وتُصغي، وتُحاور العالم.”
وأكدت رئيس قسم البرامج في مركز إثراء نورة الزامل، أن انطلاق الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية، بالشراكة مع جمعية السينما وبدعم هيئة الأفلام، يأتي امتدادًا لدور المركز في دعم الصناعات الإبداعية، واحتضان المواهب السينمائية السعودية والخليجية، وقالت:
“إن المهرجان لم يعد مجرد منصة لعرض الأفلام، بل أصبح مساحة حيوية تلتقي فيها العدسات وتتقاطع الرؤى، ليُعاد من خلالها تشكيل الواقع بخيال إبداعي يعكس تنوّع المجتمع السعودي وثراء هويته.”
ووجّهت الزامل رسالة إلى صناع الأفلام قائلة:
“أنتم الذين منحتم الصورة روحًا، وجعلتم من الكلمة وطنًا، أنتم من أعاد ترتيب الزمن داخل الإطار، وصنع من الخيال واقعًا يُعرض على الشاشة. أنتم بداية عصر جديد في المشهد الثقافي السعودي.”
وأضافت:
“هنا في (إثراء)، نحتفي بكل قصة تُروى، وبكل تجربة وُلدت من التحدي، ونؤمن بأن الفيلم ليس فقط فنًا، بل وثيقة تُكتب في ذاكرة الوطن.”
واختتمت بقولها:
“مهرجان أفلام السعودية هو بيت الحكاية، ومنصة انطلاق لصنّاع الصورة والكلمة، و(إثراء) سيبقى حاضرًا لدعم هذا الحراك الإبداعي عامًا بعد عام.”
ويُقام المهرجان تحت شعار “قصص تُرى وتُروى”، في تعبير عن جوهر التجربة التي تدمج بين الرؤية والرواية، وتجمع صنّاع السينما من مختلف الخلفيات والمشارب، عبر محاور متعددة، من بينها “سينما الهوية”، الذي يسلّط الضوء على أفلام تتقاطع مع أسئلة الفرد والجماعة، و”أضواء على السينما اليابانية”، الذي يفتح نافذة على تجارب سينمائية من شرق آسيا، بتنوّعها الثقافي واللغوي والجمالي، بالتعاون مع مهرجان Short Shorts Film Festival & Asia.
وقد كرم المهرجان في افتتاح دورته الحالية الفنان إبراهيم الحساوي، أحد وجوه التمثيل البارزة في المسرح والدراما والسينما السعودية، يأتي ذلك ضمن تقليد سنوي ببرنامج مخصص لتكريم الشخصيات المؤثرة في الساحة الفنية. ويشمل برنامج التكريم عرض فيلم وثائقي، وإصدار كتاب، وندوة، وجلسة توقيع ضمن الفعاليات.
كما يواصل المهرجان فتح نوافذ الدعم والتطوير لصنّاع الأفلام، من خلال مبادرات مهنية تُعنى بتطوير السيناريو والإنتاج، ويستضيف سوق الإنتاج هذا العام 22 جهة عارضة، ويضم فعاليات متعددة تشمل توقيع الكتب، والندوات الثقافية، والدروس المتقدمة، إلى جانب غرفة عرض خاصة مخصصة لتقديم المشاريع المختارة أمام مختصين من قطاع الإنتاج.
وتشمل البرامج المهنية جلسات فردية خاصة مع الخبراء، وورش عمل وجلسات حوارية يقدمها نخبة من صنّاع الأفلام والنقّاد، من بينهم إبراهيم الحساوي، ومحمد الهليّل، وأيوب ليوسفي، وأندرو محسن، في بيئة تحفيزية تعزز نمو القطاع السينمائي المحلي.
ويستقبل المهرجان ضيوفه على السجادة الحمراء بشكل يومي، في احتفاء مستمر بصنّاع الأفلام، ولقاء مباشر مع الجمهور ووسائل الإعلام، إلى جانب حفل الختام المقرر إقامته مساء الثلاثاء 23 أبريل على مسرح إثراء، ختامًا لدورة حافلة بالقصص والرؤى والتجارب السينمائية.
ويُنتظر أن تشهد الدورة الحالية تفاعلًا حيًّا بين الجمهور وصُنّاع الأفلام، عبر حوارات ولقاءات مباشرة في فضاء إثراء، بما يعكس الدور المتنامي للسينما السعودية كرافد ثقافي وفني يُسهم في تشكيل المشهد الإبداعي في المملكة والمنطقة.