مقالات وشعر

تأملات إيمان (العلاقات… عوالم تتقاطع فيها الأرواح )

بقلم :إيمان المغربي .

العلاقات ليست كلها إنسانية، وليست جميعها نقيّة، فثمة علاقات تقوم على مصالح، وأخرى تنشأ بصدق، وأخرى لا تملك من الإنسانية إلا اسمها. إنها محيط متلاطم، من لا يتقن السباحة فيه قد يغرق في عمق خيبته.

أولًا: علاقات العمل
في بيئة العمل، تتشكل أنواع من العلاقات حسب وعي الإنسان ودوافعه.
فهناك من يأتي إلى عمله بصمت، يؤدي ما عليه دون أن يلتفت لأحد، لا صديق، لا زميل، ولا حتى مدير. يعيش كظلٍ في الجدار، لا يهمه من حوله، ولا يسعى لبناء أي علاقة. همه الوحيد أن ينهي دوامه، ويستلم راتبه، وينصرف.
وهناك من يرى العمل ميدانًا للمصالح، علاقاته تبدأ وتنتهي حسب الحاجة. إن وجد فيك منفعة، اقترب؛ وإن انتهت المصلحة، تلاشى وجودك وكأنك لم تكن.
ثانيًا: علاقات الأصدقاء
الأصدقاء أنواع. فبعضهم يجمعك بهم الحب في الله، علاقة صافية، تنشأ بلا مقابل، وتزدهر بالصدق والمواقف. لكن حتى في دائرة الأصدقاء، لا تخلو الحياة من “المصلحجية”، أولئك الذين يأخذون أكثر مما يعطون. ومع ذلك، قد يقبل بعض الأصدقاء بهم طالما المنافع متبادلة، والنية واضحة.
في النهاية، ليست العلاقة هي ما يحدد نوعية الأصدقاء، بل الأصدقاء هم من يصنعون شكل العلاقة، ويرسمون حدودها.
ثالثًا: علاقة لوجه الله
وهنا نرتقي إلى علاقة من نوع نادر؛ علاقة خالصة، يكون فيها العطاء لله وحده. لا ينتظر الإنسان شكرًا ولا جزاءً من أحد، لأنه ببساطة قد عقد صفقة مع الله: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ”.
في هذه العلاقة، لا يهم كم مرة خُذلت أو كم موقف طُعنت فيه. القلب لا يعبأ، لأنه يعلم أن المكافأة ليست على الأرض.
رابعًا: العلاقات العاطفية… بين الطهر والسمّ
الحب عالم واسع، يبدأ بنبض، وقد ينتهي بندبة.
فمن الحب ما ينتهي بزواج، حين يتلاقى الصدق مع النية، وحين يرى القلب في الآخر وطنًا.
ومن الحب ما يُبنى على مصلحة متبادلة، وقد يتفق الطرفان منذ البداية على طبيعة العلاقة، دون خداع، ولا تعلق كاذب.
ثم هناك… العلاقات المسمومة.
تلك التي تبدأ بوهم، أحد الطرفين يدخلها بصدق، يعطي كل ما يملك من مشاعر، وقت، واهتمام. بينما الطرف الآخر قد رسم نهايتها من البداية، لكنه يتقن دور الحبيب البريء، حتى إذا امتلك قلب الطرف الأول، بدأ ينسحب بهدوء، يتحجج بالظروف، ويخفف التواصل، ثم يختفي تدريجيًا، لا لشيء… سوى أنه اكتفى.
الطرف الأضعف يبدأ بالتنازلات، يبرر، ويسأل، ويلتمس الأعذار. لكنه لا يدرك أن الطرف الآخر لا يشعر، بل قد يوهمه أنه هو السبب، ويحمّله ذنب الانهيار.
تُصبح العلاقة ساحة لاستنزاف الطرف الأضعف عاطفيًا، وتُقدّم له على أنها “فرصة أخيرة”؛ بينما الحقيقة أنها كانت مسرحية من البداية.
هذه العلاقة ليست مؤذية فحسب، بل تُجرّد الإنسان من ثقته، وتجعله يشك في نفسه، رغم أنه كان أنقى ما في القصة.
إنها علاقة لا تشبه حتى العلاقات غير الإنسانية؛ إنها “علاقة مسمومة” بكل ما تحمله الكلمة من ألم.

وأخيرًا…

العلاقات مرآة وعِبرة.
الشخص الواعي لا يستمر في علاقة تؤذيه، والشخص الذكي لا يخرج منها دون أن يتعلم.
لكن الأجمل، أن نرتقي بعلاقاتنا نحو الإنسانية، وأن نختار بعناية من نمنحهم قلوبنا، ووقتنا، وثقتنا.
فبعض العلاقات دواء، وبعضها سمّ… وما بين هذا وذاك، يكمن قرارك.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى