
بقلم: عبدالعزيز عطيه العنزي
في قلب الرياض النابض بالحياة، حيث تتشابك أصالة الماضي بحداثة الحاضر، عاشت الجدة نورة سنوات عمرها الطويلة. تجاعيد وجهها كانت خريطة تحكي قصصًا عن صبر أيوب، وفقد الأحبة، وفرح اللحظات العابرة. كانت نورة شامخة كالنخلة، جذورها ضاربة في أرض الذكريات، وفروعها تلامس سماء الرضا.
رحل زوجها الغالي قبل سنين طويلة، تاركًا في قلبها فراغًا لم يملأه الزمن. ربت أبناءها وبناتها بحب وتفانٍ، وشاهدتهم يكبرون ويؤسسون بيوتهم، لكن وحدتها كانت رفيقتها الدائمة في ليالي الرياض الهادئة.
لم تستسلم نورة لليأس. كانت تستقبل كل يوم بابتسامة خفيفة، وعيناها تلمعان بذكاء وحكمة. كانت تجلس في فناء بيتها الصغير، تتأمل الياسمين المتسلق على الجدران، وتستمع إلى تغريد العصافير في الصباح الباكر. كانت تحيك الصوف الملون، وتعد أشهى الأطباق لأحفادها الذين كانوا يملأون البيت ضحكًا وصخبًا في أيام الزيارات.
في إحدى الليالي، بينما كانت نورة تتأمل القمر البدر في سماء الرياض الصافية، شعرت بشيء مختلف. لم يكن حزنًا ولا فرحًا، بل كان سلامًا عميقًا يغمر قلبها. تذكرت زوجها، وابتسمت. لم يعد الفراق يؤلمها بنفس القدر. لقد تعلمت كيف تحمل غيابه في طيات ذكرياتها الجميلة.
في تلك اللحظة، أدركت نورة أنها لم تُقهر من السنين، بل هي التي قهرت السنين بصبرها وإيمانها وحبها للحياة. لقد نحتت التجاعيد على وجهها حكايات قوة، وحولت وحدتها إلى فسحة للتأمل والسكينة. كانت نورة أيقونة صامتة في حيّها، تجسد معنى الصمود والأمل في وجه تقلبات الزمان. قصتها لم تكن مجرد حكاية عجوز، بل كانت درسًا في كيفية ترويض قسوة الأيام والانتصار عليها بالروح الطيبة والقلب الراضي.