
بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
تتعاقب المواقف، وتتقلب الأفكار، فتُبنى بها الشخصيات أو تتعرض للاضطراب النفسي والفكري. وبين مدّ الحياة وجزرها، تظهر النفوس القوية الثابتة، كما تنكشف النفوس الهشة الضعيفة، التي تنهار أمام التيارات الهدّامة، خاصةً إذا تبنّت كلمات جوفاء، خالية من الحكمة، مشبعة بجهلٍ مركّب، محمّلة بسوء نية تجاه الآخرين.
النفوس الضعيفة تخضع سريعًا لأي مؤثر دون تحقق أو تمحيص، وتتبنّى آراءً مضللة، ظنًّا منها أنها تمثل الحقيقة. هؤلاء لا يمتلكون ثباتًا ولا صلابةً فكرية، بل يتقلبون مع كل ريح تهب، مما يجعلهم عرضةً للسقوط في مهاوي البغضاء والفتن، والإضرار بأنفسهم ومجتمعاتهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا يكن أحدكم إمعةً، يقول: إن أحسن الناس أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا ألا تظلموا»
[رواه الترمذي وقال: حسن].تغيير الرأي في ذاته ليس مذمومًا إذا كان مبنيًا على بصيرةٍ وعلم، ورغبةٍ صادقة في الوصول إلى الحق. أما التلون تبعًا للأهواء، والتقلب بناءً على المصالح الآنية أو الضغوط النفسية أو التأثيرات المغرضة، فهو علامة على ضعف الإيمان واهتزاز الشخصية.
وقد قيل حكمةً:
«من لم يثبت على مبدئه، صار ألعوبةً بيد الزمان وأهواء الناس».
الجاهل الجهلَ المركب — الذي يجهل ولا يدري أنه يجهل — أشد خطرًا على نفسه وعلى غيره؛ لأنه يقدم على القول والعمل دون علمٍ ولا بصيرة. ومن هنا، وجب التحذير من تصديق كل ما يُقال، أو اتباع كل صوت يُرفع، دون ميزان عقلٍ راجح، ومراجعة علمٍ راسخ، واستشارة ناصحٍ أمين.
أيها القارئ الكريم،
اعلم أن الثبات على المبادئ الصحيحة نعمة عظيمة، وأن سلامة القلب والفكر لا تتحقق إلا بمجاهدة النفس، وطلب العلم النافع، والتمسك بالقيم السامية. ومن أعظم ما يعين على ذلك: ملازمة الأصدقاء الصالحين الناصحين الذين يذكّرونك إذا نسيت، وينبهونك إذا غفلت، ويثبتونك عند الفتن والابتلاءات.
فلا تكن ممن باعوا عقولهم لمن أراد بهم السوء، بل كن واعيًا، فطنًا، متمسكًا بدينك وقيمك، متثبتًا في الحكم على الأمور، محيطًا نفسك بأهل الخير والصلاح.
وتذكّر دائمًا أن الكلمة أمانة، وأن الأفكار كالرياح: منها الطيب الذي ينشر الخير، ومنها العاصف الذي يدمر كل ما حوله. فاختر لنفسك أن تكون بنّاءً لا هادمًا، مصلحًا لا مفسدًا، راسخًا لا هشًّا، ناصحًا أمينًا لا تابعًا لكل جاهلٍ حاقدٍ حاسدٍ، همه نفسه والقضاء على سعادة الناس.