
سيمياء الشعور التوصيفي في شاعرية الدكتور / حسن الأمير.. قراءة تحليلية لنصه الذي أهداه لابنته سحر بمناسبة تخرجها في جامعة جازان.
قراءة وتحليل / يحيى معيدي.
الأرض تضحك والأزهار يا سحرُ
اليوم تفرح أيامي.،و تزدهرُ
كأنّ كل طيور الكون تحملني
نشوانةً ويناجي ليليَ القمرُ
حتى النجوم أشارتْ لي تهنئني
عيدي بفرحك مثل العطرِ ينتشرُ
لفرحتي أشرقتْ دنيا لها ابتسمتْ
وغرّدتْ شمسها والفجرُ والشجرُ
الله يا فرحتي والشمس طالعةٌ
والفجر في فرحٍ للشمسِ ينتظرُ
تهللتْ كل آفاق المدى فرحًا
قد جاءنا أسعدُ الأيامِ يا بشرُ
بنتُ الأمير حوتْ مجدًا و نادمها
فخرٌ و كان لها في دنيتي أثرُ
يا دوحةً في أعالي المجد باسقةٌ
مجدًا نتيهُ به دومًا و نفتخرُ
أهديك من عبق الأيام مشرقها
والعطر من غدها و الخير و الظفَرُ
كل الحروف أتتْ قبلي تسابقني
قصيدتي اليوم غصنٌ هزّهُ الثمرُ
تساقطت كلماتي من ربى سحبي
فانداح في ولهٍ من شوقهِ المطر
إلّاكِ سوسنتي يا عطر قافيتي
هذي حروفي أتتْ كالمزن تنتهمرُ
لعمركِ الورد و الأزهار تغمرهُ
ريحانتي أنتِ و الأفراح و السمرُ
أبوكِ حلّقَ مسرورًا بمهجتهِ
و الكونُ صافحني و النجم و الدررُ
سعادتي يا ابنتي ما دمتِ هانئةً
أنتِ السعادةُ لي و الفوز والنظر
غنّيتُ قافيةً أسميتها سحرًا
فكنتِ قافيتي والحرف يا سحرُ
من منطلقِ العاطفةِ المُتدثِّرة بلغةِ الحنان ، وإشراقةِ الأمل ، والحبِّ المنصهر في مشاعر التفاعلِ الأبويِّ الصادق جاء ميلادُ نصٍّ باذخٍ للشاعر الدكتور / حسن الأمير ، حيث أهداه لابنته/ سحر الأمير.
وقد تجلَّتْ في ذلك النص فلسفةُ الحبِّ والفرحِ على لوحة الشعرِ العذبِ الذي يحدوه وجدانُ شاعرٍ حالمٍ فريد.
لقد توج شاعرُنا الأمير ابنتَه بتاجِ مجدٍ نسجه من عُصارةِ فكره وأحلامهِ ، وعزَفَه بوترِ شعورهِ ، وأرسلَه لحناً متهادياً منسجماً كطلَّةِ نسيم.
وتظلُّ الأفراحُ المضيئةُ على بساط الشعور روحاً تبعثُ في الشعر بهاءَه وجمالَه ، كيف لا وهي فرحةُ تخرّج تشكّلتْ في هالاتٍ وأنوارٍ ، وامتزجتْ بأنسام المَلَكةِ الشعريةِ ، وانبثاقِ المكنونِ الوجداني.
ولعلي بهذا أتذكر قول الشاعر العربي الأول :
وإنما أولادُنا بيننا
أكبادُنا تمشي على الأرض.
وفي هذه المناسبة التي أمطرتْ شاعرَنا بغيمات الفرح كلّها جاء نصُّه أيدلوجيَّ الرؤى والشعورِ،مترجماً بعبارات العاطفة الملتهبة.
ورغم أنه في ظلِّ مناسبة إلا أنه جاء حيويّ المعنى والمبنى والدلالة والتصوير.
والشعرُ جمالُه في صدق تعابيره وتصويراته حتى لو كان شعرَ مناسبةٍ أو غيرها.
وذلك المصطلح أشار إليه الشاعر الألماني غوته في قوله :
( إنَّ الشعرَ العظيمَ هو شعر المناسبات).
في نص الشاعر الأمير لم تقتصر الفرحةُ عليه بتخرّج ابنته سحر ، بل كانتْ تلك الفرحةُ لكلِّ الأشياءِ من حوله ، حتى إنَّ الآفاقَ بنواحيها وأرجائها شاركتُه فرحتَه.
ويصوّر تلك الفرحةَ في مطلع نصه فيقول :
الأرضُ تضحك والأزهارُ ياسحرُ
اليوم تفرح أيامي وتزدهرُ
وبلفظٍ سهلٍ عذبٍ ورقيقٍ واستعارةٍ فنيةٍ رائعةٍ جاء المطلعُ جميلاً باستهلالهِ وتركيبهِ ، وكأنه مقتَطفٌ من جِينات البحتري في العصر العباسي وتصويراتِه التي مزجها بأسلوبٍ بديعٍ خصوصاً قوله :
أتاك الربيعُ الطلْقُ يختال ضاحكاً.
والضحكُ تعبيرٌ ناتجٌ عن فرحةٍ وسعادةٍ وارتياحٍ نفسي وسيمياء داخلية مستبشرة ، ولذلك جاء به شاعرنا الأمير في مطلعه
بمشاركة الأرض والأزهار ، بل إنَّ أيامه كلَّها صارتْ عيداً وفرحاً.
ويستمر شاعرنا في أبياته مصوراً فرحته التي عمَّتْ كلَّ محيطٍ وأفق،
فالكون بطيورهِ ونجومهِ وقمرهِ وأنوارهِ وشمسهِ تشاركه.
وذلك الاستغراق الشعوري هو امتداد لتلك البصمة الموقّعة بتحقيق الحلم المنتظر الذي بثّ عبر قنواته صدى الآفاق شوقاً واستبشاراً واستشرافاً.
فالطيورُ نشوانةٌ ، والليلُ يناجي القمرَ ، والنجومُ ترسل له تهنئتَها.
والفرحُ عيدٌ مرتسمٌ على مُحيَّاه وقلبِه ، وتترجمه روحُه للأشياء من حوله.
جاءت الصورُ الشعريةُ في ستةِ الأبياتِ الأولى مُتشكلةَ الحركةِ والتجسيدِ في أحداثها ، حيث صوّر الأرضَ ضاحكةً ، والطيور تحمله ، والنجوم تشير إليه.
وهنا تبدو صداقةُ الشاعر مع تلك الأشياء من حوله ، وتظهر أيدلوجيته وسيمياؤه.
ولعلَّ تلك الرؤيةَ موافقةٌ لرؤية العقاد حول الشعر، وأن كل مافي الحياة صالحٌ لموضوعات الشعر بشرط أن يكون ذلك تَبَعاً للخيال والأحاسيس.
ويسترسل شاعرُنا الأمير في توسيع نِطاق فرحته وأحلامه التي تحققتْ حيث بلغتْ ابنته سحر قمة المجد فسعد بذلك روحاً وقلباً ودنياً،
وشعر بالفخر والسرور، وجاءتْ حروفُه تسابقه ، وتتساقط كلماته من سحب فكره ، فانداح المطر إليه شوقا واستبشارا.
ولقد رمز الشاعر في نصه لابنته برموز متنوعة كقوله :
بنت الأمير
دوحة في أعالي المجد
سوسنة
عطر القافية.
ريحانة.
ولأنَّ الشاعرَ مازال في نطاق الاسترسال المتماهي مع هاجسه بحالٍ لا تحكمه إلا العاطفة الجياشة فقد أعاد ذكرَ مصافحة الكون إيَّاه مرةً أخرى في أبياته الأخيرة ، وهو مايدلُّ على الشعور اللاواعي بسبب تلبس تلك الفرحة.
جاءتْ عاطفةُ الشاعر في أصدقِ شعورٍ وأنسبِ ترجمةٍ لذلك الحدث.
اختار الشاعر مفرداتٍ سهلةً رائعةً معبرةً في تركيبٍ جميل ، ولقد وُفّق في نسجه فجاء النصُّ عذباً رقيقاً منسجماً سواء ماكان في صدر البيت أو عَجُزه أو الحشو أو القافية.
ولأنَّ الفرحةَ تخص الشاعر أكثر من غيره فقد أسند ياءَ المتكلم للأفعال ، وأضافه إلى بعض الأسماء المنسوبة إليه ، ومن أمثلة ذلك :
تحملني.
تهنئني.
ليلي
فرحتي.
عيدي
تسابقني.
قصيدتي.
إلخ.
وقد نوّع الشاعرُ في نصه بين الجمل الطلبية والخبرية من أجل احتواءِ ذهن القارئ أو السامع وجَعْله تبعاً لإشارات النص وتموجاته التصويرية والدلالية.
جاء النص على بحر البسيط بقافية الرَّاء ، والرَّاءُ حرفٌ مكررٌ وكأنه بذلك يريد أن يقرعَ الأسماعَ بما تحمله تلك القافية من دلالات.
وكانتْ خاتمةُ النص في أروعِ صورةٍ حيث ربط الشاعرُ اسم قافيته باسم ابنته مستفيداً من الصورة البديعية ( الجناس التام ) بين «سِحْر وسَحَر» مع اختلاف الاسمين والدلالتين.
موسيقا النص منسجمةٌ وعذبةٌ في استرسالٍ ونسقٍ جميل ، سواء في المفردات أو التراكيب.
ومن ذلك قوله :
نشوانة ويناجي ليلي القمر.
وقوله :
وغردتْ شمسها والفجر والشجر.
وقوله :
وكان لها في دنيتي أثر.
وقوله:
ريحانتي أنت والأفراح والسمر.
وأخيرا أحيي هذا الشاعر الفخم.
والحمدلله من قبل ومن بعد.