
لـ ماجد سليمان
1 ـ ضَبابُ الانفصال
التقت عيناهـما في أحد أزقة الأسواق الشعبية القديـمة، ما زال هناك خيطٌ من الأُلفة لـم يبرح عين كُلٍّ منهما، وما زالت الأعين تعرف بعضها بعضاً رغم ضباب الانفصال، قال في نفسه:
ـــ أليس لي بعد السير الطويل في صحراء الـجفاء من عودة؟
بادرته عيناها بوخز جنب الإجابة:
ـــ الضرب في الـميت حرام.
صَدَّ بوجهه تـجاه البائع الـمقابل له، ناوله نقود البضاعة، وذهب بعيداً.
2 ـ طعمُ النار
جُثثٌ ملقاة تـحت الأبنية وعلى جَنَبات الطرقات الضيّقة، يـحاول لـهب الدخان الهارب من جلودها أن يسترها، بعد أن أفرغت البنادق الطويلة بـها شهوات الرصاص.
يـمرق من تـحت الدخان هِرٌّ أدهمُ مشجوج الرأس، ومقطوع نصف الذيل، يتبع رائحة الدم الصاعدة من جروح القتلى، يظفر بقطعة لـحمٍ مُتدلية من يد الـجُثّة التي ألغت ملامـحها وسائل التعذيب قبل قتلها، قَطَعها بنابين كلون الـخشب، لينزوي بـها تـحت شاحنة الـجنود ذات الطلاء الأخضر، ويـمضي في أكلها بطعم الـحروق، فانتبه أنّـها الكفّ التي كانت تطعمه قِطَعَ اللحم، أطلق مُواءً صاخباً أسكتته شظيّة طاشت من انفجار بـجانب الشاحنة.
3 ـ ألواحُ الجـوع
أرغفة الـخبز الـمرصوصة جَذَبت لُعابه، واستفزّت معدته الـمُشبعة بالـجوع، أمعن النظر في عصا استخراج الـخبز من التّنور، أعاد الـخبّاز كوفيته الـحمراء إلى الـخلف وَصَرَخ:
ـــ ابتعد عن العصا كي لا تؤذيك.
ثَقَبت الصرخة سـمعه وَدَفَعته خطوات إلى الوراء، اهتزاز قفا الـخباز وهو يـخرج الـخبز كان كبشارة إسكات جوعه، خَرَجَ بعدها وهو يقضم رغيفاً جَرَفَ بعض ألواح جوعه.
4 ـ صحفيةُ العـدو
قُتلت أمّها في مـجزرةٍ خطّطها طاغية عربيّ وهي في سنواتـها الثلاث، فرأى والدها أن يـحميها من وابل الـخطر، فَبَعَث بـها إلى عمّتها في قرية بعيدة عن العاصمة التي مزّقتها الـمجزرة، ليشرع هو في مـخبأ سريٍّ عن الـحكومة في تدوين أخبارٍ عنه وعن أقاربه الذي مضغتهم آلة القتل.
خَرَج بعدها ليجد الـجيش يطوّق العاصمة بعد بَتْرِ خطوط الكهرباء، وَسَدِّ أنابيب الـماء، وَحَجْب موارد الغذاء، أرعبه تكوّم النفايات التي تقف بقربـها التظاهرات البشريّة، قرَّر العمل في صحيفة العدو، فقاطعه أقاربه واستبعدوا كُلَّ ما دَوّنه.