ثقافة

الموتى الماشون جوار الجدران

بقلمي/ عبدالرحمن خليفة
وطَّنت نفسي طوال حياتي أن أمشي جوار الجدران وألَّا أبتعد عنها قدر أنملة، وهذا لأنني أحبّ الظلّ وأحبّ اعتزال الناس، وأحبّ ألا أقحم نفسي في المهالك.
ومضت حياتي أعيش على هذا المنوال سعيدًا راضيًا صافي الذهن والبال… إلى أن جاء يوم قرر فيه أعلام البلاد الشرفاء أن يعاقبوا كل شخص متخفٍ يشتبه به، ولكني لم أعر لهذا الأمر أي اهتمام وقتها..
وفي مرة من المرات مشيت كعادتي حيث كنت، شعرت بألمٍ شديد في ذراعي وفي يدي وفي جنبي الأيسر كلّه، وحينما دققت النظر، وجدت الجدار مليئًا بمُد كانت أنصالها مكشوفة موجهة، شعرت بغيظٍ، حاولت اقتلاعها، ولكن وجدت لافتة تقول: انتبه! ممتلكات حكومية.
حينها أدركت التغيّر الذي سيطرأ على حياتي منذ هذه اللحظة، بيد أني أكملت طريقي رغم الجراح التي كانت نتزف وتتجدد مع كل خطوة.
وفي كلّ مرة يستفحل هذا العذاب؛ فبعد أيام مشيت لأجد المُدَا التي جرحتني قد أزيلت، ووضع في مكانها سيوف قاطعة، ولكني كعادتي تجاهلت الأمر، وأخذت ابتعد عن الظل شيئًا فشيئًا وقد ازدادت جراحي عمقًا وتلوّثًا.
ولم يتوقفوا قط، فبعد كل يوم أجد ما على الجدران قد زال، وأبدِل بشيء أمضى وأعنف.
وفي المرة الأخيرة من تاريخ صبري، وجدت جوار الجدران رجالًا مسلّحين بمداهم وسيوفهم وبنادقهم..
حينها نفد صبري، واعتزلت جانب الجدران نهائيًا، في أولى خطواتي نحو الشمس آلمتني عيني؛ فلم أستشعر هذا الضوء منذ أعوام إلا يسيرًا، ولكني وبعد ساعات استراحت عيناي وجددت الشمس الدافئة طاقتي، وأخذت أثور وأرفع صوتي بهتافات كانت هي سبب مشيي جوار الجدران طوال الفترة الماضية، وحينما ثرت، لم يستطع أحد إيقافي؛ لأن جموع الماشيين جوار الجدران ثاروا معي، وهجروا ما كانوا عليه
لقد أيقظ هؤلاء النبلاءِ الموتى الساكتين الذي رضوا أن يظلوا كذلك حتى أقحموا أنفسهم من مناطق راحتهم… جوار الجدران.
فليتحملوا إذن، وليعيدونا إلى جوار الجدران إن استطاعوا مرة أخرى.

 

شعبان توكل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى