مقالات وشعر

الإهتمام… صدق المشاعر ومقياس الوفاء

 

بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

الاهتمام… تلك اللغة الصامتة التي تنطق بها القلوب قبل الألسنة.

هو شعورٌ يُزرَع في الأعماق ولا يُنتَزَع، يُقدَّم طوعًا لا كُرهًا، ويُهدى بلا انتظارٍ لمقابل.

من يُجيده، يُتقنه بلا تعليم، ويمارسه بلا تكلّف، ويجعله عبادةً يومية لا مناسبةً طارئة.

في عالمٍ مزدحمٍ بالمشاغل والأعباء، يبقى الاهتمام هو المعيار الحقيقي لقيمة العلاقات الإنسانية والعمل الطيب؛ فهو الشعور الخفي الذي يروي ظمأ الأرواح، ويُعيد للقلوب نبضها، وللنفس اتزانها، وللمشاعر صدقها وصفاءها.

الاهتمام لا يُطلب، لأنه إن طُلب فقد نُزِع جماله.

وليس من الكرامة أن نُلاحق الآخرين برجاء السؤال، ولا من الحكمة أن نُرهق قلوبنا بعبارات: “لماذا تغيّرت؟” أو “أين السؤال؟”.

فمن يحمل لك في قلبه وُدًّا… لن تغيب صورتك عن باله، ومن يعرف قدرك… سيبحث عنك دون أن تذكّره، ويذكرك في دعائه دون أن يعلمك.

إن الاهتمام الحقيقي يُترجَم إلى أفعال لا أقوال، إلى سؤالٍ صادقٍ عن الحال، إلى كلمةٍ طيبةٍ في وقت الضيق، إلى حضورٍ يسبق الدعوة، وإلى دعمٍ صامتٍ يشعر بك دون أن تنطق، إلى مبادرةٍ تسندك حين تتعثر، وحنانٍ يربت على قلبك بلطفٍ ودون ضجيج.

الاهتمام لا يُقاس بعدد الرسائل، ولا بكثرة المكالمات، بل بصدق النية خلفها، وبالحرص النابع من القلب، وبالوجود الحقيقي وقت الحاجة لا وقت الفراغ. وحده الاهتمام هو الذي يبني، ويُرمم، ويُداوي، ويحفظ الروابط من التصدّع والانهيار.

علّمتني الحياة أن من يُحبك بحق لن ينشغل عنك مهما ازدحمت أيامه، ولن ينتظر تلميحك ليبادر، ولا غيابك ليشتاق، ولا حزنك ليشعر. بل يهتم بك لأنك تسكن روحه، وتشكّل جزءًا من أولوياته التي لا تزول.

وكم من علاقاتٍ ذبلت جذوتها، لا لأن الحب انتهى، بل لأن الاهتمام غاب. وكم من صداقاتٍ فقدت بريقها، لأن طرفًا واحدًا استمر في العطاء، بينما الآخر اعتاد الأخذ بلا رد. وكم من قلوبٍ أقفلت أبوابها، لا لشيء، سوى أنها تعبت من الانتظار، ومن الصبر على الجفاء.

الاهتمام ليس رفاهية، بل هو أوكسجين العلاقات. إن غاب، اختنقت الأرواح، وجفّت العواطف، وذبلت الكلمات، وخيّم الصمت بدل الحوار، وحلّ الجفاء محلّ المودّة.

وفي العلاقات، يسقط الكلام المنمّق، وتبقى الأفعال وحدها تتحدث. فالاهتمام الحقيقي لا يُزَيَّف، ولا يُختلق، بل يخرج من القلب، ويترجم نفسه في كل موقف، وكل نظرة، وكل دعاءٍ في الغيب، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

لذا، لا تطلبوا الاهتمام، فمكانتكم في قلوب الآخرين هي التي تحدد من سيهتم، ومن سيتجاهل. ومن كان له في القلوب مكان، فسيظلّ الدعاء له حاضرًا، والود له باقٍ، حتى في الغياب.

وأخيرًا، لنعِ جميعًا أن أجمل الهدايا التي يمكن أن نقدمها لمن نحب، ليست مادية ولا فاخرة، بل هي اهتمامٌ صادق، لا يُطلب، ولا يُمنّ به، ولا يُنتظر منه مقابل، بل يُمنح بقلبٍ محب، كأن صاحبه يقول لك سرًا:

“مكانك في قلبي… محفوظ، مهما حدث.”

سلمى حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى