
رغم الصمت الذي خيّم على الأنبوب العملاق، فإن التابلاين لم يمت في الذاكرة. لا تزال أنابيبه الصدئة مرمية فوق رمال الشمال، ولا تزال القصص تُروى عن “الخط”، كما يسميه كبار السن في المناطق الحدودية. تروي الأجيال كيف عمل آباؤهم في بناءه، أو كيف أضاء مصابيحهم لأول مرة.
التابلاين لم يكن مجرد مشروع هندسي، بل فصلٌ من فصول التاريخ الحديث. يجسد قصة النفط، والطموح، والتقاطع بين الشرق والغرب، والقوى التي شكلت العالم المعاصر. هو صورة من صور التغير السريع الذي اجتاح المنطقة، في ظرف زمني قصير، وجعل من الصحراء موردًا للحياة، ومن الرمال طريقً للتصدير
شهدت المملكة العربية السعودية تطورًا اقتصاديًا كبيرًا منذ اكتشاف النفط، وكان لخط أنابيب النفط المعروف باسم “التابلاين” دورٌ محوريّ في نقل النفط من شرق المملكة إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقد أثّر هذا المشروع تأثيرًا كبيرًا على منطقة الحدود الشمالية، من حيث النمو السكاني والتطور العمراني والاقتصادي.
التابلاين” هو خط الأنابيب العابر للجزيرة العربية. تم بناؤه في أواخر الأربعينات الميلادية (بدأ إنشاؤه عام 1947 واكتمل في عام 1950)، بتمويل من شركة أرامكو، لربط حقول النفط في المنطقة الشرقية بمدينة رأس النقب في لبنان، مرورًا بـ الأردن وسوريا وشمال المملكة.
مرّ التابلاين عبر عدة مدن وقرى في منطقة الحدود الشمالية، مثل: عرعر: أصبحت مدينة حيوية نتيجة مرور التابلاين منها، حيث وفرت شركة التابلاين الوظائف والبنية التحتية والخدمات للعمال والسكان.رفحاء وطريف: تأثرتا إيجابيًا من الخدمات التي أنشأتها شركة التابلاين مثل الكهرباء، الطرق، والإسكان.
واثر التابلاين على النمو الحضري: ساهم التابلاين في نشوء مدن جديدة مثل عرعر التي لم تكن موجودة قبل المشروع.ووفّر وظائف للسعوديين والوافدين في مجالات الهندسة، الصيانة، والنقل.التطور التعليمي والصحي: أنشأت شركة التابلاين مدارس ومراكز طبية في المناطق التي مرت بها.مشروع التابلاين يعتبر نقطة تحول في تاريخ الحدود الشمالية، حيث انتقل بها من العزلة الصحراوية إلى التنمية الحضرية. وما زال أثره ملموسًا حتى اليوم في بنية المدن، وذاكرة السكان، وهو يُعدّ من أوائل المشاريع التي أسهمت في رسم خريطة التنمية الحديثة في المملكة.
ولا يمكن الحديث عن التنمية في منطقة الحدود الشمالية دون الإشارة إلى مشروع التابلاين، الذي مثّل شريانًا اقتصاديًا وجغرافيًا حوّل مناطق صحراوية إلى مدن نابضة بالحياة. ورغم انتهاء دوره الفني، إلا أن بصمته لا تزال حاضرة في الحياة الاجتماعية والعمرانية للمنطقة، ويُعدّ جزءًا مهمًا من تاريخ المملكة الحديث.
نجاح لافي الشمري
الحدود الشمالية
رفحاء..