
في الماضي وقبل توفر مياه الشرب النظيفة واكتشاف اللقاحات الطبية والمضادات الحيوية، تسببت الأوبئة في وفاة مئات الملايين من البشر حول العالم.
ومن أشهر تلك الأوبئة، وباء الجدري، الذي تسبب في وفاة حوالي 500 مليون إنسان خلال قرن واحد، وذلك قبل اكتشاف أول لقاح فعال في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.
وتسبب وباء الطاعون خلال القرن الرابع عشر الميلادي فقط في القضاء على حوالي 50% من سكان أوربا في ذلك الحين (بين 75 و 200 مليون إنسان). ولا يوجد لقاح ضد بكتيريا الطاعون، ولكن يتوفر عدة وسائل للوقاية من الإصابة بها ومضادات حيوية فعالة للقضاء عليها.
كما تسببت جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 في إصابة حوالي 500 مليون شخص ووفاة 20 إلى 50 مليون إنسان. وتتوفر عدة لقاحات ومضادات فعالة ضد عدد من فيروسات الإنفلونزا.
وخلال الخمسة عقود الماضية، تسبب انتشار فيروس متلازمة نقص المناعة البشرية المكتسبة، الإيدز، في وفاة حوالي 35 مليون إنسان. ولا يوجد ضد فيروس الإيدز أي لقاح ولكن يتوفر عدة أدوية فعالة في علاجة ومنع انتقاله.
وحديثاً، تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد، التي بدأت في شهر ديسمبر من عام 2019، في وفاة حوالي 7 مليون إنسان، بالرغم من توفير عدة لقاحات ومضادات فعالة ضد الفيروس في زمن قياسي.
ولقد أمضى العلماء عقوداً من الزمن في محاولة تطوير لقاح عالمي شامل. ويعني ذلك أن جرعة واحدة من اللقاح ستكون قادرة على توفير الحماية من الإصابة بالعدوى من سلالات قديمة ومحتملة من الفيروسات التي تتحور باستمرار. ومن شأن ذلك إذا تحقق أن يقلل من الحاجة إلى اللقاحات السنوية لتعزيز جهاز المناعة ويمنع حدوث الأوبئة وانتشارها.
وتخطط وزارة الصحة والخدمات الإنسانية والمعاهد الوطنية للصحة الأمريكية في الوقت الراهن لاستثمار 500 مليون دولار أمريكي لتطوير منصة لقاحات شاملة تركز على فيروسات الإنفلونزا وكورونا، لتوفير حماية واسعة النطاق من تلك الفيروسات التي قد تسبب أوبئة أو جائحة عالمية، مثل فيروس إنفلونزا الطيور H5N1، وفيروسات كورونا المسؤولة عن متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (سارس)، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وكوفيد-19 (كورونا).
وسيكون لتلك اللقاحات العالمية الشاملة إذا توفرت أثار صحية واقتصادية إيجابية كثيرة. حيث ستمنع أو تقلل من نسبة الإصابة بعدة فيروسات في آن واحد وبفعالية أكبر، وتقلل من نسبة التغيب عن العمل بسبب المرض، وتمنع حدوث الأوبئة والجائحات في المستقبل بإذن الله.
د. عبدالعزيز رداد الحارثي
كاتب رأي واستشاري أمراض باطنية وطب المسنين.