ثقافة

“حضن اليتيم” .. قصة قصيرة

عبدالعزيز عطيه العنزي

في زاوية هادئة من الحي القديم، كان يعيش فتى صغير اسمه سالم. لم يعرف سالم طعم حضن الأم، فقد رحلت أمه وهو لا يزال رضيعًا، وتركه القدر وحيدًا في هذا العالم الواسع.

كان سالم ينام على فراش بالٍ في غرفة باردة، لكن دفء حلم واحد كان يرافقه كل ليلة: أن ينام مثل طفل يتيم وجد أخيرًا حضن أمه.
كان يتخيل هذا الحضن دافئًا كشمس الصباح، ورائحته مثل الياسمين في ليالي الصيف. كان يتخيل ذراعين حنونتين تطوقانه برفق، وصوتًا هادئًا يهمس له كلمات لم يسمعها قط. في هذا الحلم، كان يشعر بالأمان المطلق، وكأن كل مخاوفه تتبخر في هذا الدفء الحنون.
في أحد الأيام الباردة، بينما كان سالم يتجول في السوق باحثًا عن قطعة خبز، رأى امرأة عجوز تجلس على الأرض، يبدو عليها التعب والحزن. اقترب سالم منها بقلبه الصغير الرحيم، وقدم لها قطعة الخبز التي كانت معه. نظرت إليه العجوز بعينين دامعتين، وابتسمت له ابتسامة باهتة.
منذ ذلك اليوم، بدأ سالم يزور العجوز كل يوم، يحضر لها الطعام ويساعدها في شؤونها البسيطة. كانت العجوز تحدثه بحنان، وتستمع إلى حكاياته الصغيرة بصبر.شيئًا فشيئًا، بدأ سالم يشعر بدفء غريب يغمر قلبه وهو بجانبها.
في إحدى الليالي الباردة، وبينما كان سالم يجلس بجانب العجوز، شعرت بتعب شديد. استندت برأسها على كتف سالم الصغير، وأغمضت عينيها. شعر سالم بقلبه يخفق بسرعة، لكنه لم يتحرك، خشية أن يزعجها.
في تلك اللحظة، شعر سالم بشعور غريب لم يعرفه من قبل. كان كتف العجوز نحيلًا وعظميًا، لكنه شعر بدفء خفيف ينتشر منه. كان صمت الغرفة عميقًا، لكنه شعر بنوع من الأمان يحيط به. وبينما كانت العجوز تستريح على كتفه، وبينما كان هو ساهرًا يحرسها بقلبه الصغير، بدأ سالم يشعر بشيء قريب من الدفء الذي كان يحلم به.
لم يكن حضنًا تمامًا كما تخيله، ولم تكن رائحة الياسمين تعبق في المكان، لكن كان هناك شيء حقيقي، شيء دافئ، شيء يبعث على الاطمئنان.

ربما أدرك سالم في تلك الليلة الباردة أن حضن الأم ليس دائمًا ذراعين تطوقان الجسد، بل قد يكون قلبًا حنونًا يمنح الدفء والأمان بطرق مختلفة. وربما، في تلك الليلة، نام سالم قليلًا قرير العين، وهو يحلم بحضن جديد، حضن وجده في رعاية قلب طيب.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى