
الرباط – أحمد السعدي
قدم القاص والمستشار الإعلامي الدكتور خالد الخضري محاضرة بعنوان: “الرواية والسينما: من النص المكتوب إلى الشاشة الكبيرة”، وذلك في جناح المملكة العربية السعودية بمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب 2025
جاء تنظيم الندوة ضمن برنامج “إيصال الأديب السعودي للعالم”، الذي أطلقته هيئة الأدب والنشر والترجمة بالمملكة العربية السعودية، بهدف تعزيز الحضور الثقافي للمبدع السعودي في المحافل الإقليمية والدولية.
واستعرض الدكتور خالد الخضري في محاضرته الغنية تاريخ الرواية السعودية ومراحل تطورها، مشيرا إلى أنها بدأت بخطى مترددة لكنها سرعان ما شهدت تحولات نوعية في الأسلوب والمواضيع والبناء الفني، حتى أصبحت اليوم جزءا أساسيا من الحراك الأدبي العربي. وأكد أن الرواية السعودية استطاعت أن تعبر عن المجتمع وتحولاته، بل وتخرج من محليتها إلى آفاق إنسانية أرحب.
وانتقل الدكتور الخضري إلى الحديث عن العلاقة التفاعلية بين الرواية والسينما، مؤكدا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما متزايدا بتحويل الأعمال الروائية السعودية إلى إنتاج سينمائي ودرامي، واستعرض نماذج واقعية من الأعمال التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات، كجزء من هذا التوجه الثقافي الجديد.
وناقش الدكتور الخضري في محاضرته تحديات تحويل الرواية إلى السينما، وعلى رأسها كتابة السيناريو التي اعتبرها حلقة مفصلية في نجاح أي عمل سينمائي مقتبس عن رواية. وأوضح أن العديد من الكتّاب السعوديين واجهوا صعوبات في تحويل السرد الأدبي إلى سيناريو بصري مشوّق، وهو ما يتطلب دورات تدريبية مشتركة، وتعاونا وثيقا بين الروائي والمخرج والمنتج.
كما تطرق إلى أساليب السرد الحديثة المستخدمة في الرواية السعودية، مبينا كيف يمكن توظيفها بذكاء لصناعة سينما قوية وجذابة. وأشاد بالدعم الكبير الذي تقدمه هيئة السينما في وزارة الثقافة السعودية، معتبرا أن هذا الدعم ساهم في نهضة السينما السعودية الحديثة، وأدى إلى حضورها القوي في مهرجانات عربية ودولية خلال السنوات الماضية.
وعرض مجموعة من النماذج الناجحة لأعمال روائية سعودية تحولت إلى أفلام ومسلسلات، من بينها أعماله هو شخصيا مثل رواية “رعشة جسد”، وسلسلة السباعيات الإذاعية التي بثت عبر الإذاعة السعودية، ومسلسل “قصة من الأدب السعودي”، بالإضافة إلى مشاركته في كتابة مسلسل “شيرشات” الكوميدي الذي عرض على القناة السعودية عام 2018.
وقدّم الخضري في ختام مداخلته مجموعة من التوصيات، من بينها تعزيز برامج التدريب في مجال السيناريو والإخراج، وتشجيع الشراكات بين الأدباء والمخرجين والمنتجين، ودعم الإنتاج المشترك مع دول عربية شقيقة مثل المغرب، وإنشاء صناديق دعم خاصة بتحويل الروايات إلى أفلام ومسلسلات.
وشهدت الندوة حضورا مكثفا وتفاعلا لافتا من النخبة الثقافية المغربية، حيث اكتظت القاعة بالحضور، وظل عدد منهم واقفا طيلة زمن اللقاء، في مشهد يجسد الاهتمام الكبير الذي يوليه المثقفون المغاربة للحراك الثقافي السعودي.
وعبّرت الإعلامية مريم المحافظ، رئيسة تحرير ومقدمة النشرة الإسبانية على القناة الأولى المغربية (SNRT)، عن إعجابها بالندوة، قائلة: “لقد شكّلت هذه الندوة مساحة خصبة للحوار والتفكير حول العلاقة العميقة بين الأدب والسينما، وفتحت أمامنا أفقاً جديداً لفهم دينامية تحويل النصوص الروائية إلى أعمال بصرية قادرة على مخاطبة وجدان المتلقي بلغة الصورة والمشهد. وكانت محاضرة الدكتور الخضري ثرية في محتواها، عميقة في قراءتها، ومنسجمة تماماً مع روح المعرض التي تحتفي بالكلمة والإبداع”.
كما أشادت الإعلامية بأهمية هذه الفعاليات في تعزيز فرص التعاون بين المغرب والمملكة العربية السعودية في مجالات الفن والإنتاج السينمائي.
من جهته، قال إدريس اليعقوبي رئيس النادي السينمائي لمدينة القنيطرة إن السينما السعودية حققت طفرة نوعية بفضل رؤية 2030، وقد أصبحت الآن فاعلا رئيسيا في المشهد السينمائي العربي. وأهمية هذه المحاضرة تكمن في فتح أفق النقاش حول التعاون السينمائي بين المغرب والسعودية، خصوصا في مجال كتابة السيناريو، الذي يُعد أحد أكبر الرهانات لصناعة سينما قوية ومؤثرة.
وأكد اليعقوبي أننا بحاجة إلى تبادل الخبرات، وإنتاج مشترك، وبناء جسور بين الأدباء والمخرجين لتحويل الروايات إلى أفلام. فبلدانا يزخران بأدباء من الطراز الرفيع، وكل الشروط متوفرة للنهوض بهذا القطاع.
بدوره عبّر الأستاذ عبد السلام العزوزي، مدير الحدث الأفريقي ومدير عام أكاديمية المستقبل للإعلام والتواصل بالرباط، عن تقديره لأهمية ما قدمه الدكتور الخضري وقال إن الدكتور الخضري نجح في تقديم ملامح دقيقة ومتكاملة لمسار السينما السعودية وتوجهاتها الدولية، مستعرضا مشاركات الفنانين السعوديين في مهرجانات عالمية، كجزء من الحراك الثقافي المتناغم مع رؤية المملكة 2030، والتحديات التي تواجه السينما السعودية، بالنظر إلى حداثتها النسبية إلى جانب التحولات الاجتماعية والثقافية التي أحدثتها رؤية المملكة والتي أدت إلى انفتاح المجتمع السعودي على القيم الكونية، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والحضارية للمملكة.
كما شاركت السيدة كريمة قنير، رئيسة شركة “ترافل القنيطرة”، بمداخلة عبّرت فيها عن إعجابها العميق بما قدّمه الدكتور الخضري، ودعت إلى تعزيز الشراكات الفنية والثقافية بين المغرب والسعودية، مؤكدة على أهمية هذه اللقاءات في تطوير الإنتاج السينمائي العربي المشترك.
وفي ختام اللقاء، عبّر الدكتور خالد الخضري عن شكره وتقديره لـ هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية على تنظيم هذا اللقاء، وشكر الزميل عبدالعزيز طياش على إدارته المتميزة للندوة، ولجميع الحاضرين والمشاركين الذين أثروا النقاش بأفكارهم وتفاعلهم.
كما وجه التحية والتقدير للأستاذة أميمة بليله، التي عملت مساعدة له خلال تواجده في الرباط، حيث ساهمت بجهدها الدؤوب ومتابعتها المتواصلة في إنجاح الفعالية وتنظيمها بشكل احترافي، مما كان له الأثر الإيجابي في ظهورها بالمستوى المشرّف الذي يليق بمكانة المملكة وضيوفها.
يذكر أن الدكتور خالد الخضري هو كاتب وقاص سعودي، صدر له 17 كتابا، تشمل مجموعات قصصية، ونثرية، ورواية، ودراسات إعلامية وتربوية. من أبرز أعماله رواية “رعشة جسد” التي صدرت في عدة طبعات وحققت أعلى المبيعات في عام 2016، وسباعيات إذاعية من قصصه نفّذها المنتج محمد بخش وأعدها الإعلامي محمد علي قدس، ومسلسل “قصة من الأدب السعودي” المأخوذ من إحدى قصصه.
كما شارك في كتابة مسلسل “شيرشات” الكوميدي عام 2018، وأعمال مسرحية مثل “لوحة فوق الماء” (مونودراما)، و”الحضارة الزائفة”، إلى جانب مشاركاته البحثية والعلمية في الإعلام والتربية داخل وخارج المملكة.