
بقلم الدكتور عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان
الناسُ شهودُ اللهِ في أرضِه، يشهدون بالحقِّ على صدقِ العبادِ وإخلاصِهم. وفي سجلِّ المحبَّةِ تُسجَّلُ المواقفُ العظيمة، وتُخلَّدُ الذكرياتُ التي تصنعُ الأثرَ الباقي في القلوبِ والعقول. ومن تلك اللحظاتِ النادرةِ التي نُفاخرُ بها، زيارةُ الشيخِ الدكتور سعد بن عبدالله البريك – غفر الله له – إلى “نعجان”، حينَ حلَّ ضيفًا كريمًا، ومربِّيًا ناصحًا، وخطيبًا بليغًا، جمعَ بين البيانِ والتأثير، وتركَ في الحاضرينَ بصماتٍ لا تُنسى.
لقد كانَ قدومُ الشيخِ إلى نعجانَ حدثًا مشهودًا، تجمَّعت له القلوبُ شوقًا قبل أن تلتحقَ الأجسادُ، وتشوقتْ له الأرواحُ قبلَ العيون. وألقى – رحمهُ الله – محاضرةً شاملةً مؤثّرةً، هزَّت المشاعرَ وأضاءتِ العقولَ، تحدَّث فيها عن الثباتِ على الدِّين، وأهميةِ النُّصحِ والتواصي بالحق، بأسلوبٍ متميِّزٍ يَمزجُ بين رقَّةِ العبارةِ وقوَّةِ المعنى، وبصوتٍ مهيبٍ يغشاهُ الخشوعُ ويعلوهُ الوقار.
استمعَ إليه الحضورُ بكلِّ إنصاتٍ، وأُخذوا بجمالِ طرحِه، وقوةِ حُجَّتِه، وصدقِ لهجته، وطُهرِ سريرته. واجتمعتِ القلوبُ على محبته، وأيقنتْ أنَّ هذا الرجلَ من الذين صدقوا اللهَ ما عاهدوه عليه، فأحبُّوه في الله، ودعوا له بعدَ رحيله بقلوبٍ باكيةٍ، وألسنةٍ ذاكرة. وإذا أحبَّ اللهُ عبدًا حبَّبَه إلى خلقه؛ وقد أحبَّه الناسُ لما رأوا من صدقه، وتواضعه، وغيرته على الدِّين، وحُسنِ سيرته الظاهرةِ وسريرته الباطنة.
وفي تلك الليلةِ المباركة، كان من بين الحضورِ شبابٌ تأثَّروا بكلماتِه، وكبارٌ أُعجبوا بحكمته، وطلابُ علمٍ تعلَّموا من تواضعه، وأُسرٌ خرجت بذكرى لا تزالُ تتردَّدُ على ألسنتهم حتى اليوم. فهنيئًا لهذا العالمِ أثرُه الخالد، وهنيئًا له قَبولُه في الأرضِ والسماء.
ومعَ رحيلهِ في هذا العامِ ١٤٤٦هـ، تعودُ الذاكرةُ إلى تلك الليلةِ الوضّاءة، التي زيَّن فيها شيخُنا المجالسَ في نعجان، فأضحى ضيفًا على المكان، ثم بات ذكرُه ضيفًا على كلِّ قلبٍ حاضرٍ هناك. ولن يُنسى حديثُه المُلهِم، ولا هيبتُه المُطمئنة، ولا روحُه الطاهرةُ التي طافت بالمكان فأنارته.
اللهمَّ اغفر له، وارفع درجتَهُ في علِّيِّين، واجزهِ عن الإسلامِ والمسلمين خيرَ الجزاء. واكتبْ له أجرَ ما قدَّم من علمٍ نافع، ووعظٍ مؤثِّر، ودعوةٍ صادقة. واجعلْ ما أصابَهُ في آخرِ عمرِه كفَّارةً له، ورفعةً في الدرجات. وألحقْهُ بالصالحين، واجعَلْ قبرَهُ روضةً من رياضِ الجنة، وثبِّته عندَ السؤال. وأبقِ البركةَ في عقبِه وأحبابِه وتلاميذِه.
وسلامٌ عليهِ يومَ وُلِد، ويومَ مات، ويومَ يُبعثُ حيًّا.
اللهمَّ اجعلْ ما قدَّم شاهدًا له لا عليه، وارزقه رضوانَك، وأكرم نُزُلَه، واغسله بالماءِ والثَّلجِ والبَرَد، ونقِّه من الذنوبِ كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، ويغفر له، ويُسكنه فسيح جناته، ويجعله من عتقائه من النار، وأن يُكرمه بجنّات النعيم، ويجعل قبره روضةً من رياض الجنة.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يُلهم أهله وذويه الصبر والاحتساب، ويُعظِم لهم الأجر، ويجبر مصابهم، ويُحسن عزاءهم.
إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
مع أصدق مشاعر العزاء والمواساة إلى أفراد أسرية الكريمة.