
سمعتم صوتًا يوحي بخرير الماء؟
ذاك الصوت العذب الذي يشبه الهمس، رقراقًا يتسلل إلى الروح، هل خطر ببالكم ما حقيقته؟
أهو هديرٌ يعلو ثم يتلاشى؟
أم هو سقاية، تُروي زرعًا، وتنبت أثرًا؟
أم تراه يبقى على الأرض مستنقعًا، لا حركة فيه، لا خضرة تنمو حوله، ولا حياة تنبض بقربه؟
ذلك الصوت، قد يكون أشبه بجهد الإنسان…
فجهدك الذي تبذله، هل هو هديرٌ بلا صدى؟
أم أنه رذاذ طيب، يسقي العقول والقلوب؟
أم تراه تعبًا يعلو ويغمر، لكنه لا يُثمر، فيظل حائرًا كالمياه الراكدة، لا نفع فيه ولا استفادة؟
الجهد مثل الماء…
منه ما يتبخر في الهواء، فيضيع هباءً منثورًا، لأن الوعاء الذي سُكب فيه لم يكن جديرًا بالحفظ.
ومنه ما يتسلل في باطن الأرض، ليغيب عن الأنظار لكنه يصنع حياة لا تُرى.
ومن الجهد ما يُسكب على أرض خصبة، فيثمر زرعًا وعلماً وخيرًا يمتد.
فاختر لجُهدك موضعًا، كما يُختار الماء لمكانه.
لا تسكب وقتك وطاقتك في أرض لا تحيي، ولا في قلوب لا تحتضن، ولا في مشاريع لا تُثمر.
واجعل سعيك خريرًا يسمعه الآخرون، يُنعشهم، ويسقي شيئًا في دواخلهم.
فما أجمل أن يكون جهدك سقاية لا هديرًا،
وأثرًا لا مستنقعًا،
وحياةً تُثمر… لا طاقةً تذبل