مقالات وشعر

أبناؤنا بين التهور والإهمال.. من يمنح المفاتيح دون وعي؟

الكاتب : م. هاشم بن علي الكاف

في زحمة الشوارع وإزيز محركات السيارات، تبرز مشاهد مؤلمة أصبحت جزءًا من يومياتنا: شباب في مقتبل العمر يقودون مركبات فائقة القوة دون أدنى وعي أو مسؤولية.
خلف تلك المقودات، لا يجلس السائق وحده، بل يجلس خطرٌ يتربص بالمارة، وبأرواح لا ذنب لها. والسؤال الأهم: من منح هؤلاء المفاتيح؟

مسؤولية تبدأ من البيت.. وتنتهي في المستشفى أو المقبرة

إن ما نشهده من تفحيط وقيادة متهورة لا ينبع فقط من رغبة الشباب في التباهي أو حب المغامرة، بل يتغذّى أولاً على غياب الرقابة الأبوية، بل وعلى تشجيع مبطن أحيانًا. بعض الآباء – للأسف – يرون في منح أبنائهم سيارات قوية نوعًا من “الفخامة” أو “الفخر”، دون أن يدركوا أن تلك المفاتيح قد تتحوّل إلى أدوات قتل.

سيارات رياضية في يد مراهق.. كارثة محققة

كيف لعقلٍ لم ينضج بعد، أن يتحمّل مسؤولية مركبة تُصنّف ضمن السيارات الرياضية أو الفارهة؟
مراهقٌ لم يكتمل وعيه، لم يتعلم بعد فن التريّث، ولا يملك الخبرة الكافية في القيادة، تُسلّم له سيارة تتجاوز قوتها مئات الأحصنة والنتيجة؟
تفحيط في الأحياء، تجاوزات مرورية خطيرة، مطاردات مع رجال الأمن، وأحيانًا جنائز في ريعان العمر.

نزيف بشري ومجتمعي

لم يعد الأمر يقتصر على “خطر ذاتي” فقط، بل أصبحنا نشهد كيف أن هذه التصرفات المتهورة تزهق أرواح أبرياء، أطفال ومارة، وحتى عائلات كاملة.
وفي الجانب الآخر، هناك خسائر اقتصادية، وتكاليف صحية باهظة، وتشويه لصورة المجتمع، وانشغال للجهات الأمنية والطبية في احتواء تبعات تصرّف طائش ناتج عن إهمال.

الحل يبدأ بالوعي.. لا بالمفاتيح

ما يحتاجه أبناؤنا اليوم ليس سيارات، بل توجيه وتربية ومتابعة. نحتاج إلى آباء يقولون “لا”، لا حين يكون ذلك أسهل، بل حين يكون أصعب.
نحتاج لمن يراقب، يوجّه، يحاسب، يثقف، لا من يسكت ويدفع الثمن لاحقًا.
والأهم من ذلك، أن نعيد تعريف “الرجولة” لدى الأبناء، فليست بقيادة سيارة باهظة، بل بقيادة الذات وتحمل المسؤولية.

لا تكن شريكًا في وقوع الخطر

كل أب يمنح ابنه سيارة دون تأكد من قدرته على القيادة، من التزامه بالأنظمة، من وعيه بالنتائج، هو شريك في الخطر، وشاهد عليه.
ولن يعفيه الندم حين تتلقى الأسرة لا سمح الله خبرًا مفجعًا، أو حين يتحوّل ابنه من “مراهق متهور” إلى مذنب خلف القضبان.

في الختام:

يا أيها الأب، الأم، الأخ الأكبر.. لا تزرع في يد ابنك سيفًا وتطلب منه أن لا يجرح به أحدًا.
راقب، علّم، وازرع الوعي قبل أن تزرع من تحب في التراب.

مريم المقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى